لن يطلّ السيّد حسن نصرالله غدًا بلا عبارات النصر تسرح في خطابه الذي كاد يكون خاليًا منها لولا عمليّة الأمس النوعيّة. لن يطلّ السيّد ليتحدّث بخجل وتعرّق عن ثمار حواره مع “المستقبل” بعد عملية الأمس النوعيّة: فإسرائيل هي العدوّ وأحدٌ لا يمتلك الجرأة على معاتبة المقاومة أو لومها على ما فعلت خصوصًا أولئك الذين يجالسونها اليوم على طاولة حوار لم يبَن خيرُه من شرّه بعد.

لا مؤشّر أقوى من صمود لقاءات حزب الله والمستقبل الى حقيقة استبعاد الربط بين الحوار القائم وعملية شبعا. فطالما أن وجود حزب الله في سورية لم يحل دون لقاء الطرفين، لا بل استمرار وجوده في الميدان السوري، فإن ضربةً موجعة للعدو غير المُتخاَلف عليه لن تشكّل حجر عثرة واحدًا أمام إنجاح الحوار. ولكن ذلك لا يغني عن التساؤل عن نظرة “المستقبل” الى ما حدث يوم أمس.

كلام “الواجب”

قد لا ينمّ بيان كتلة المستقبل الرمادي عن حقيقة ما يريد الرئيس سعد الحريري قوله جهاراً لو أتيح له الإتصال بسيّد المقاومة لتهنئته على الردّ المُتقَن و”النظيف”. فأبناء بيت الوسط الذين تلافوا تجاوز الخطوط الحُمر بتعليقهم على العملية اكتفوا بكلام “الواجب” الذي لا يورّطهم لجهة عدم تأييدهم ضرب العدوّ وفي المقابل لا يدفعهم الى إعطاء حزب الله الكثير من يده خوفًا من استجرار لبنان الى حربٍ هو ليس مستعدًا لها البتّة. وتعلّق مصادر في 8 آذار على هذا الكلام بالإشارة الى أن “فيه نوعًا من الاستخفاف بعقول الناس إذ يعلم الجميع أن حزب الله أذكى من أن يجرّ لبنان الى حربٍ في هذا التوقيت بالذات، وما فعله كان ردًّا مستحقًا على اغتيال عناصره في القنيطرة. لم يكن منتظرًا من تيار المستقبل أكثر من ذلك خصوصًا أن مشروعه السياسي مبنيٌّ على الشدّ والإرخاء، مع حرصه القطعي على عدم تكرار “هفوة” ضيافة الشاي والتي ما زالت ترافقه حتى اليوم في قلوب أبناء المقاومة وذاكراتهم”.

قرارا السلم والحرب

ليس لدى نواب “المستقبل” ما يضيفونه الى بيان الكتلة الواضح والذي رمى الكرة في ملعب الحكومة لجهة احتفاظها بقراري السلم والحرب، إلا أن الرئيس تمام سلام كان استبق كلّ أمرٍ “مباركًا” بصورةٍ غير مباشرة فَعلة حزب الله، داعيًا الأسرة الدولية الى كبح النزعة العدوانية الاسرائيلية، وهو ما قرأه بعضهم على أنه تغطية حكوميّة لعمليّة حزب الله خصوصًا أنها أتت خارج الخطّ الأزرق المحكوم بالقرار 1701، ولكنها تحتفظ في المقابل بشرعيّة وقوعها في أراضٍ لبنانيّة محتلة. وتشير مصادر حكوميّة لـ”​صدى البلد​” الى أن “أحدًا لا ينكر حقيقة التخوّف من ردود أفعال إسرائيل الهمجيّة والتي قد تستعيد سيناريو تموز 2006 ولو كان هذا الخيار بعيدًا استراتيجيًا وتكتيكيًا، ولكن في المقابل لم يكن عاقلٌ يتوقّع وقوف حزب الله متفرّجًا مكتوف اليدين أمام استشهاد جهاد عماد مغنية وخمسة آخرين في القنيطرة، وبالتالي كان الردّ منطقيًا خارج إطار الحدود الجغرافيّة المُعتَرف فيها بعيدًا من إشكاليّة لبنانيّة مزارع شبعا أو عدمها. وبالتالي قد تكون فرضيّة إدراج ما فعله حزب الله في خانة المقاومة التي يصونها البيان الوزاري كفيلة بإخراس كلّ “متشدّق”، من دون أن يعني ذلك أن الحزب يحتفظ حكمًا بقراري الحرب والسلم وهو ما يعيه جيدًا وما نؤمن فيه”.

لن يفعلها “المستقبل”

في غمرة صمت حزب الله عن كلّ ما يمتّ الى عمليته بصلةٍ بعيدًا من البيان رقم 1، مقابل سير “المستقبل” على حبل مطاطيٍّ متأرجح، ليس متوقّعًا أن يكون الربط بين مسار الحوار ومستقبله وعملية الأمس عاملاً واردًا لأسبابٍ عدة: أولاً، لا يمكن للمستقبل أن يأخذ على نفسه حرَج “فركشة” الحوار لمجرّد أن حزب الله ردّ على العدوّ. ثانياً، ليس مصير الحوار بين الطرفين رهن أيّ ظروفٍ خارجيّة وإلا لما عُقِد في الأساس لمجرّد عدم انسحاب حزب الله من سورية. ثالثًا، ليست هواجس الداخل اللبناني من حربٍ إسرائيليّة مرتقبة بحجم الهواجس من توسّع المتطرّفين الذين بدأت معالم إمارتهم في لبنان تلوح أكثر فأكثر. رابعًا، وأخيراً بدأ “المستقبل” يعتاد شيئًا فشيئًا على الفصل بين حزب الله السياسي الذي يتعامل معه حكوميًا وعلى طاولة عين التينة، وحزب الله المقاومة الذي يضرب إسرائيل من جهة ويعين النظام السوري من جهةٍ أخرى.

لا تغييرات

المشهدية الحواريّة ستبقى على حالها على ما يؤكد أقلّ المتفائلين. فالمستقبل يخطئ تكتيكيًا إن ربط مواظبته على حضور لقاءات عين التينة بعملية شبعا وهو ما لن يفعله، تمامًا كما يخطئ حزب الله إن دخل الى تلك اللقاءات بعرض عضلات في ميزان قوّة يكرهه الطرف المقابل ركونًا الى تجربة شارع أيار 2008. في النتيجة، شيءٌ لن يتغيّر بالاتفاق والرضى.