وقعت مشيخة ​الأزهر​، من حيث تدري أو لا تدري، في "الفخ"، الذي تريد ​الجماعات التكفيرية​ إيقاع كل المرجعيات ​الإسلام​ية فيه، على إختلاف توجهاتها، في شباكه، من دون أن تتنبه إلى النتائج المترتبة على ذلك، وكأن المطلوب أن يكون الرد على الإرهاب بأفكار تقود إلى ما هو أخطر منه، من خلال شرعنة بعض الأعمال إنطلاقاً من فتاوى أو قرارات دينية واضحة وصريحة.

ما يقوم به تنظيم "داعش"، في هذه المرحلة، تخطى الحدود، وبات في نظر المسلمين قبل غيرهم مسيئًا لدينهم قبل أي شيء آخر، وبالتأكيد الرد عليه يجب أن يكون على مختلف المستويات، العسكرية والسياسية والإعلامية والفكرية، وكان من المتوقع أن يلعب الأزهر دوراً بارزاً في هذا الإطار، لكن حكماً لا يكون ذلك من خلال "شرعنة" بعض الأعمال الوحشية، حتى لو كانت موجهة ضد الإرهابيين أنفسهم، لأن هناك من ينتظرها من أجل أن يبررها.

في جميع الأعمال الوحشية، التي تقوم بها الجماعات التكفيرية، تستند إلى بعض الأحاديث والآيات القرآنية، بعد أن تعمل على وضعها في الإطار المشوّه الذي يخدم مصالحها، فهل كان على المرجعية الأبرز عند المسلمين الرد على إعدام الطيار الأردني معّاذ الكساسبة حرقاً، بالدعوة إلى "قتل وصلب وتقطيع أيدي وأرجل إرهابيي داعش"، لتقدم بذلك مستندًا يستطيع التكفيريون الإعتماد عليه؟ فمن يضمن عدم إستخدام هذا الموقف، في المستقبل، لتبرير هذه الأعمال؟ وهل كان الإحراج في الموقف بعد رفضها قبل فترة قصيرة تكفير عناصر التنظيم هو الدافع لهذه الدعوة الخطيرة(1)؟ وأين هي الإصدارات الفكرية التي من المفترض أن يواجه بها هؤلاء، بدل ترك المجتمعات الإسلامية ساحة مفتوحة أمامهم؟

لدى سؤال بعض المرجعيات الدينية عن هذا الموقف، كان الأمر ملتبساً. فالبعض دعا إلى التروّي للإطلاع على الخلفيات الواضحة له، وتوقع أن يكون مستندًا إلى الآية 33 من سورة المائدة التي تقول: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم منْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، لكنه دعا الى التروّي أكثر قبل إصدار هكذا موقف، نظراً إلى تداعيات مثل هذه الدعوات على صورة الإسلام في العالم.

يشير أحد المشايخ، لـ"النشرة"، إلى أن محاربة التنظيمات الإرهابية أمر ضروري وحاسم، لكنه يشدّد على وجوب أن تأخذ المرجعيات الدينية في مواقفها الأمور من عدّة اتجاهات، مع وجود من يريد إستغلال أي أمر لتشويه صورة الإسلام، ويؤكد أن دورها في هذه المعركة هو إظهار جوهر الدين الّذي يدعو إلى المحبة والعدل بين الناس، لا سيما أن أي موقف محسوب عليها.

ويعتبر هذا الشيخ على أن ما صدر عن الأزهر، كان يفترض أن يأتي في سياق مفصّل يشرح جميع المعطيات، قبل إصدار الحكم أو تبرير العقوبة الواجب تطبيقها على الإرهابيين، لا سيما أن هؤلاء يستخدمون كل وسائل الإتصال الحديثة من أجل خدمة مشروعهم، في حين أن المرجعيات الرسمية واقعة، إلى حد بعيد، في ما يشبه البيروقراطية في أنظمة الحكم، وبالتالي إيضاح أي موقف يحتاج إلى وقت طويل.

أحد المشايخ اللبنانيين، يفضل شرح الموضوع من جانب آخر، يذكر بأن مرشد جماعة "الإخوان المسلمين" حسن الهضيبي، عمد إلى الرد على صاحب "كتاب معالم في الطريق"، القيادي في الجماعة سيد قطب، عبر إصدار كتاب آخر يحمل إسم "دعاة لا قضاة"، ويلفت إلى أن هذا السبيل الذي يجب على المرجعيات الدينية الذهاب إليه مباشرة، خصوصاً مع وجود أمور تجب معالجتها، ويوضح أن بعض المقالات الواردة في الصحف المصرية مؤخراً، تتحدث عن ضرورة تعديل بعض مناهج التدريس في الأزهر، بسبب تضمّنها ما يصبّ في خدمة المدارس التكفيرية.

من وجهة نظر هذا الشيخ، نجحت هذه المدارس في تحقيق إختراقات، سمحت لها بالعمل بشكل أوسع، وبالتالي ينبغي البحث في هذه المواضيع بدل توجيه دعوات قد يستفيد منها الارهابيّون، وينبّه الى أن أسس المعركة التي نواجهها فكرية قبل أي شيء آخر. فهذه الجماعات تدار بواسطة أجهزة مخابرات عالميّة وإقليمية، ولكن المشكلة هي أن هناك فئات واسعة مقتنعة بأن ما تقوم به هو الإسلام الفعلي، وبالتالي يجب التوجه إليها لتوعيتها وإنقاذها من الهلاك الذي وقعت فيه.

وفي هذا السياق، ترى مصادر إسلامية أن بيان الأزهر لم يتنبه إلى قضية أساسية، أو على الأقل لم يذكرها، وهي أن الأحكام الشرعية لا تطبق إلا بوجود ولي أمر، أي خليفة، وهو حكماً لا يجب أن يكون على صورة أبو بكر البغدادي الذي يدعي الخلافة.

وتسأل هذه المصادر عبر "النشرة"، أين هو وقت التوبة الذي من المفترض أن يُمنح إلى هؤلاء؟ ومن هي المرجعية المقبولة التي من المفترض أن يتقدم إليها من يرغب بالتوبة من المسلمين؟ ويلفت إلى أن المشكلة الأساسية في "داعش" هي أنها أخذت جزءاً من الشرع وتركت أجزاء مهمة، وتضيف: "الموقف الشرعي يجب أن يكون كاملاً لا يأخذ شكل ردة فعل فقط".

في الختام، ترى هذه المصادر الإسلامية أن الواجب على المرجعيات الدينية اليوم أن تسأل نفسها ماذا فعلت من أجل هؤلاء الشباب؟ وتجيب أنها لم تقدم لهم أي نموذج إسلامي آخر، وتعتبر أن المشكلة كبيرة جداً ينبغي التوقف عندها طويلاً.

(1)في بيانٍ له في 11 كانون الأول 2014، رفض الجامع الأزهرتكفير تنظيم "داعش"، عازيا ذلك الى أنه لا يمكن تكفير مسلم مهما بلغت ذنوبه وسيئاته.