الإجتماع الأمني الأممي في الرياض بحضور قادة عسكريين من 20 دولة مُنخرطة في الحرب على الإرهاب لتقييم الوضع الحالي والتباحث بما يُمكن فعله، هو كما قال ديبلوماسي مُتابع، أقرب الى لقاء لتبادل المعلومات وفرصة للتنسيق بين جميع الأطراف وليس مُنتدى لإتخاذ قرارات حاسمة، والأولوية ليست لسوريا والأهم هو تنظيف العراق، وأن لا تغييرات جذرية في استراتيجية التحالف خلال اجتماع الرياض.

القرارات الحاسمة، هي حُكماً مستبعدة، طالما أن السعودية رغم استضافتها في مكة المكرمة مؤتمراً إسلامياً للحرب على الإرهاب، ما زالت معنيَّة في الصراع ضد نظام الأسد عبر الجماعات المحسوبة عليها مباشرة، خصوصاً تلك التي تنطبق عليها تسمية "جيش لحد السوري"، الذي كان يحاول إقامة منطقة عازلة مدعومة إسرائيلياً من درعا على الحدود الأردنية مروراً بالقنيطرة السورية ووصولاً الى سفوح جبل الشيخ اللبنانية، وقطر ما زالت مستمرة في دعم "جماعاتها" سواء في التناغم مع الأتراك وتورُّطهم المتمادي في ريف حلب وإقامة منطقة عازلة ثانية كمحرقة للأكراد وللنظام السوري معاً، أو في التوتُّر القديم الجديد مع مصر على خلفية إعدام الرهائن المصريين في ليبيا، بانتظار ما سوف تُسفِر عنه زيارة أمير قطر الى واشنطن والتي تأتي بمنزلة "استدعاء" من الرئيس أوباما يأتي ضمن سياق أداء الدور القطري مستقبلاً.

وإذا كانت المملكة السعودية تتشارك مع الأوروبيين هموم إرهاب يطرق الأبواب، ومُربكة من ارتداداته العراقية عليها ومن مصلحتها سحقه داخل العراق، فهو في سوريا ورقة مقايضة غالية الثمن أكثر من أي وقتٍ مضى، لمقارعة إيران على الساحة السورية نتيجة تحميلها مسؤولية الوضع المتوتِّر في البحرين من جهة، ومسؤولية "الإجتياح" الحوثي لليمن ووصول "الروافض" الى الحدود السعودية كقوَّة إقليمية مستحدثة مُعادية لها من جهة أخرى.

وقد يكون الهدف الأخطر، الذي سبق لـنائب الرئيس الأميركي جو بايدن أن أفصح عنه وتراجع لاحقاً، ولم يتردَّد عبد الحليم خدَّام عن البوح به، والقاضي بدخول الجماعات الإرهابية إلى لبنان للقضاء على حزب الله! هو ما جعل بعض اللبنانيين يُعقلِنون جموحهم نحو "ربيع عربي" سيكون لبنان أكثر دافعي أثمانه، في حربٍ إقليمية تمتدّ من إيران مروراً بكل دولة خليجية متورِّطة ووصولاً الى تركيا وخلفها حلف "الناتو"، ولعل التصريح الأخير لممثل الإمام الخامنئي في الحرس الثوري الإيراني بأن "تدمير إسرائيل يستغرق عشر دقائق"، رسالة واضحة للعالم الغربي وللدول الخليجية أن الشرق سوف يحترق ما لم يتوقَّف اللعب بالنار.

ولأن لبنان على المستوى السياسي، أصغر من أن يحتمل إرتدادات اللاإنتصار واللاإنكسار في المنطقة، فقد أخرج نفسه – داخلياً – حتى الآن من لعبة التجاذب الدموي التي تُتقنها أميركا عبر تركيا وبعض دول الخليج في محاولات رسم الإسرائيليات، واستطاع اللبنانيون جزئياً "النأي بالنفس" عن المحرقة، من خلال سحق الجيش اللبناني لرؤوس الإرهابيين عبر اعتقال بعضهم وهروب البعض الآخر وسيطرته على الوضع في طرابلس وتبخُّر أحلام دولة الخلافة في الشمال اللبناني.

وبانتظار المعركة الكُبرى في عرسال وعلى الحدود مع القلمون، مع ما للمقاومة من دورٍ أساسي في صدِّ الهجمات الإرهابية شبه اليومية، فإن ثمَّة متغيِّرات في الوضع السياسي والشعبي اللبناني أفرزتها إنجازات الجيش والمقاومة من جهة، والأمثلة القاتمة عن ما آلت إليه أوضاع المناطق الإقليمية التي يحكمها الإرهابيون في العراق وسوريا وليبيا من جهة أخرى، مما استدعى السير في الحوارات الداخلية حتى ولو على حساب "كرامة" المواقف السياسية السابقة للبعض، والشروط المسبقة التي كان أوَّلها إنسحاب حزب الله من سوريا، في تغييرٍ فرضته التطورات الميدانية ويُقارب الإعتراف الضمني بدور المقاومة الإقليمي في مكافحة الإرهاب، خصوصاً أن الدور الإيراني الداعم للمقاومة كان الأساس في تغيير المسار الدموي وإيقاف الزحف عند حدود القلمون.

الحوار بات أمراً واقعاً على البعض في لبنان، نتيجة التحوّلات الإقليمية التي سوف تتسارع لمواجهة إرهابٍ لا بيئة له في لبنان، وإذا كانت معادلة الجيش والشعب والمقاومة قد أعطت للجيش حقّه وللمقاومة حقّها، فالشعب قد لعِب مؤخراً دوراً عظيماً في المساعدة بالقضاء على الخلايا الإرهابية وفلول التكفيريين، والحوار اللبناني إرادة شعبية وليس منَّة من الزعامات على الشعب، ويبقى هذا الحوار، وإن طال، الخيار الوحيد لبعض الزعامات لإستعادة شرعيتها الشعبية واستعادة الهوية لتستحق العودة الى الوطن ...