بعد أكثر من عقد من العقوبات المُنوّعة - ومن أكثر من طرف وجهة، على ​إيران​، وبعد سنوات من جولات التفاوض الصعبة، وبعد ستة أيّام من المحادثات الماراتونيّة في سويسرا، وصل المفاوضون بشأن الملفّ النووي الإيراني إلى منتصف ليل الثلاثاء 31 آذار، وهو التاريخ الذي كانوا قد وضعوه بأنفسهم كسقف أقصى لتوقيع "إتفاق مبدئي"، من دون التوصّل إلى ذلك. فإرتأوا تمديد المفاوضات بذريعة "تحقيق تقدّم يستحقّ المتابعة". لكنّ مصادر دبلوماسيّة غربيّة متابعة لمجريات المفاوضات بين إيران ودول "الخمس زائد واحد" كشفوا أنّ الخوف من إنهيار كل الجهود السابقة لحلّ الأزمة دفعة واحة، هو الذي أدّى إلى إتخاذ قرار التمديد في اللحظة الأخيرة، إفساحاً في المجال أمام الوصول إلى نوع من التفاهم المكتوب الذي يُمكن البناء عليه لعقد جولات لاحقة من المفاوضات قبل الوصول إلى نهاية حزيران، وهو بدوره التاريخ الذي كان المفاوضون قد وضعوه بأنفسهم كسقف أقصى لتوقيع "إتفاق نهائي". وأوضحت هذه المصادر الغربيّة أنّ القيادة الإيرانية، وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، والدول الغربيّة المُفاوضة، أدركوا جميعاً أنّ الوقت ليس لصالحهم، وأنّ أيّ إرجاء للمفاوضات من دون الإتفاق على خطوط عريضة مكتوبة للحل، يعني حُكماً رفع نسبة فشل المفاوضات بشكل كبير. والأسباب متعدّدة، وأبرزها:

أوّلاً: إنّ الكونغرس الأميركي الذي صار تحت سيطرة "الجمهوريّين" منذ الإنتخابات التشريعيّة الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية، يضغط بكل قوّة لعرقلة أيّ إتفاق مع إيران، إلى درجة أنّ الأعضاء الجمهوريّين فيه وجّهوا أخيراً رسالة إلى إيران حذّروا فيها من أنّ توقيع أيّ إتفاق مع إدارة الرئيس أوباما لن يكون إلا "إجرائياً" بمعنى أنّه غير مُلزم قانوناً لأميركا، وبإمكان أيّ رئيس مُقبل إبطاله. ويضع الجمهوريّون ثقلهم حالياً لإفشال جهود الرئيس أوباما الرامية إلى التوصّل إلى إتفاق، عبر ضغط سياسي وإعلامي مرفق بمحاولات قانونيّة ودستوريّة أيضاً.

ثانياً: إنّ إسرائيل، الحليفة الإستراتيجيّة والتاريخيّة للولايات المتحدة الأميركيّة في الشرق الأوسط، أثبتت أنّها ضدّ أيّ إتفاق غربي-إيراني، حيث أعادت أغلبيّة شعبيّة إسرائيليّة، بنيامين نتانياهو إلى منصب رئاسة الحكومة، علماً أنّ جزءاً كبيراً من حملة هذا الأخير الإنتخابيّة كان مبنياً على معاداة إيران ورفض أيّ تساهل أميركي معها. والحملة الإسرائيليّة مُرشّحة للتصاعد في المرحلة المُقبلة، خاصة وأنّ حرب اليمن فرضت المزيد من العزلة الإقليميّة على إيران.

ثالثاً: إنّ المملكة العربيّة السعودية، ومعها مجموعة من الدول الخليجية والعربيّة، ترفض أيّ تقارب أميركي مع إيران على حساب المصالح العربيّة والخليجيّة، وتُعارض عودة إيران إلى الحُضن الأميركي كما كانت أيّام "الشاه" محمد رضا بهلوي. وما الدخول العسكري الخليجي-العربي على خط أزمة اليمن، إلا محاولة لوقف توسّع النفوذ الإقليمي الإيراني من جهة، ومحاولة لعرقلة تقاربها مع العالم الغربي والولايات المتحدة الأميركيّة من جهة أخرى.

رابعاً: إنّ إدارة الرئيس أوباما لن تستطيع المُناورة أكثر إزاء التطوّرات العسكريّة في اليمن، في حال أخذت منحى تصاعدياً في الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة. فإذا كان الطيران الخليجي والعربي يقصف حالياً أهدافاً عسكريّة في اليمن بناء على صور وإحداثيّات يُزوّده بها الجيش الأميركي، ومأخوذة من أقمار صناعية غربيّة، ومن طائرات من دون طيّار أميركية، ومن مُخبرين يعيشون في اليمن ويعملون لصالح جهاز الإستخبارات الأميركي، فإنّ إيران التي تغضّ النظر عن ذلك حتى تاريخه في محاولة لتمرير الإتفاق، لن تستمرّ بذلك في المُستقبل، في حال تدهور الأوضاع العسكريّة في اليمن أكثر فأكثر، الأمر الذي سيضع الولايات المتحدة الأميركيّة في موقف مُحرج بين حلفائها التقليديّين من جهة والجُدد من جهة أخرى!

خامساً: إنّ القيادة الإيرانية تُدرك أنّ المشاكل المتصاعدة في الشرق الأوسط، والتطوّرات المتلاحقة، قد لا تصبّ في صالحها، ما يجعلها في عجلة من أمرها لوضع أسس لحلّ بشكل سريع، على أن يتم حلّ التفاصيل التقنيّة العالقة في الأسابيع القليلة المقبلة، لكن بعد الإعلان خطياً أنّ الأمور تسير بشكل جيّد وإيجابي.

سادساً: إنّ القيادة الإيرانية الي تطالب برفع كل العقوبات المفروضة عليها دفعة واحدة بشكل متزامن مع أيّ إتفاق، تعلم علم اليقين أنّ جزءاً من العقوبات مفروض عليها من قبل الأمم المتحدة، ولا يمكن رفعها إلا بقرار من الجمعيّة الدوليّة، وهو ما يتطلّب وقتاً نتيجة الإجراءات الميدانيّة، بحيث أنّ على إيران الموافقة بمجرّد التوصّل إلى وعد بضمانة دَوليّة برفع العقوبات.

وبالتالي، إنّ الإدارة الأميركية وكذلك القيادة الإيرانيّة، على ثقة بأنّ مجموعة من المعطيات والظروف الحاليّة تلعب في غير صالح حصول إتفاق، وأنّ مجموعة واسعة من القوى تعمل أيضاً بشكل غير مُنسّق ولا مباشر، وإنطلاقاً من مواقع مختلفة ومصالح متباينة، على وضع العصي في دواليب أيّ إتفاق مُحتمل، لذلك قرّرت عدم منحها فرصة إفشال كل الجهود المُضنية التي بذلت في السنوات الأخيرة، فيما لو عادت كل الوفود إلى دولها من دون الإتفاق على أيّ نصّ، ولوّ على الخطوط العامة. وفي هذا السياق، عُلم أنّ الحديث لم يعد يتمحور حول توقيع "إتفاق إطار" أو "إتفاق مبدئي"، كما كان يتردّد في الأشهر الأخيرة، بل عن "تفاهم إطار" و"تفاهم مبدئي". وتبديل كلمة "إتفاق" إلى "تفاهم" متعمّد ويكشف بقاء مجموعة من الخلافات التقنيّة وبشأن بعض التفاصيل، لكن مع وجود إصرار على تخطّيها بسرعة، وذلك عبر تفاهم مكتوب يضع خريطة طريق لذلك. وعُلم أيضاً أنّه ومن بين العراقيل التي تُؤخّر الإعلان عن أي إتفاق أو تفاهم، أكان مبدئياً أو نهائياً، سعي كل من أميركا وإيران للظهور بمظهر المُنتصر وغير المُتنازل أمام شعبه، حيث يضغط كلّ من الطرفين لأن يُوحي أيّ نصّ مكتوب قد يتمّ الخروج به، بأنّ ما تمسّك به من مطالب على مدى سنوات من المفاوضات قد تحقّق، وذلك بهدف تبرير موقفه أمام مؤيّديه، ومواجهة خصومه الكُثر المعارضين لأي إتفاق.