قد يكون خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الذي تناول الأحداث اليمنية، هو الأول من نوعه بالنسبة لعدم التلاقي معه من قبل أفرقاء وشخصيات قوى الثامن من آذار، لجهة إصدار البيانات المهللة لرؤيته ومواقفه بالحد الأدنى، بسبب عدم إستعداد بعضها للذهاب بعيداً في المواقف التصعيدية تجاه السعودية أولاً، خصوصاً أن أغلب الدول العربية تناغمت معها في الموقف على نحو كبير، ولرهان البعض المستمر على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليكون خليفة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

من حيث المبدأ، نجحت قوى الرابع عشر من آذار في تجاوز هذا القطوع، بالرغم من الخلافات الكثيرة التي تعصف بين أركانها، وكأنها أخذت جرعة من الأوكسيجين عبر عملية "عاصفة الحزم"، لدرجة علق البعض بأن الأمانة العامة لهذه القوى قد تذهب إلى حد إرسال قوات عسكرية إلى الرياض لدعمها، وربما تعمد إلى إرسال بعض قياداتها الفاعلة كي تتولى مساعدة الناطق الرسمي باسم العملية على إصدار بياناته الدورية.

بالعودة إلى حالة البلبلة داخل قوى الثامن من آذار، تشير مصادر مطلعة، لـ"النشرة"، إلى أن البداية كانت من خلال موقف وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، في مجلس وزراء الخارجية العرب، الذي حظي بموجة إعتراض كبيرة من قبل جمهور "حزب الله"، لكن هذا الجمهور عاد ليعتبره جيداً بعد سماعه كلمة رئيس الحكومة تمام سلام في القمة العربية التي عقدت في شرم الشيخ، وقد أعطيت الرهانات الرئاسية لرئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون مبرراً لموقف "التيار الوطني الحر"، الذي يعتبر أصلاً حليفاً لهذه القوى وليس جزءاً أساسياً منها.

إلى جانب الموقف "العوني"، يأتي موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي فضل أيضاً عدم التناغم مع السيد نصرالله في لهجته التصعيدية تجاه الرياض، ربما بسبب موقعه الدستوري وعلاقاته مع العديد من الجهات الإقليمية والدولية، بحسب ما ترى المصادر، الأمر الذي يحتم عليه الإصرار على الدعوة الى الحوار والحل السياسي من دون رفع سقف خطابه بوجه أي جهة، مع العلم أن أمين عام "حزب الله" كان قد ختم خطابه بالدعوة إلى الحوار والبحث عن حل سياسي.

وبعيداً عن هذه القوى الرئيسية التي لديها حساباتها الخاصة، كان لافتاً أن أغلب ما يسمى بـ"القوى الناصرية" كانت بعيدة إلى حد كبير عن هذا الخطاب، خصوصاً بعد أن راهنت على الرئيس المصري الحالي منذ إنتخابه ليكون جمال عبد الناصر الثاني، وعلى الرغم من أن السيسي خذلها منذ موقفه من الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لا تزال على رهانها حتى اليوم، حيث تلفت المصادر إلى أن بعضها لم يتردد بالتنويه بخطابه خلال القمة العربية، مع العلم أنه لم يكن بعيداً عن الموقف السعودي الذي يصطدم بالرؤية الإيرانية، ويعارض موقف "حزب الله" والقيادة السورية معاً، في حين تعرب هذه القوى على مدار الساعة عن إستنكارها لما يجري في سوريا، وتحمل الرياض المسؤولية الأساسية عنه.

ما تقدم لا يعني أن الحزب كان وحيداً، حيث كانت بعض القوى والشخصيات التي تدور في الفلك السوري إلى جانبه قلباً وقالباً، لا سيما الرئيس السابق إميل لحود الذي كان من أوائل الذين أصدروا بيانات واضحة في الموقف، لكن المفاجأة كانت أن البعض في هذه الفئة كان حتى مساء الأمس غائباً عن السمع، ولدى سؤاله عن الموضوع تحجج بأن القضية حساسة، وتتعلق أولاً بالمناصرين الموجودين في الدول الخارجية، وثانياً بالطابع المذهبي الذي أخذته المواجهة.

وفي حين يفضل البعض، داخل قوى الثامن من آذار، وضع الموضوع في سياق التمايز في المواقف، والتأكيد بأن هذا الأمر يؤكد أن الحزب لا يفرض على حلفائه أياً من المواقف التي يتخذها، هناك من يتحدث عن عدم تنسيق، إلا أن مصادر مطلعة من هذا الفريق تذهب إلى ما هو أخطر من ذلك، من خلال الحديث عن عدم وضوح في الرؤية لدى البعض، خصوصاً بالنسبة إلى من يغرق في التفاصيل، من دون أن يتنبه إلى أن المعركة قائمة بين نهجين على مستوى المنطقة برمتها، وبالتالي لا يمكن أن تعارض ما تقوم به الرياض في ساحة وتصمت عنه في ساحة أخرى.

وتشدد هذه المصادر، لـ"النشرة"، على أن البعض الغارق في أحلام تاريخية لا يدرك حتى الساعة خطورة ما يجري، لا سيما في ظل إصرار الماكينة الإعلامية "المعادية" على وضعه في السياق المذهبي، الأمر الذي كان يتطلب موقفاً واضحاً من كل الأفرقاء، بالرغم من تأكيدها أن البعض كان صارماً في رفضه ما قامت به السعودية منذ البداية.

في المحصلة، تشدد مصادر قوى الثامن من آذار على أن الموقف من الملف اليمني أخلاقي بالدرجة الأولى، ولا يجب أن يكون لدى البعض "شطحات" في غير مكانها، وتعتبر أن بعض المترددين كان بامكانهم الذهاب إلى مواقف في العموم تدعو لإعتماد الحل السياسي والحوار بدل التهليل لدول مشاركة في الحرب، وتذكر بأن المشهد اليوم شبيه بالفترة الأولى من الأزمة السورية حيث أضاع البعض البوصلة وعاد ليصحح مواقفه من جديد.