على الرغم من المعارضة الكبيرة التي أبدتها قيادات جبهة "النصرة"، الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، لمحاولات إبعادها عن التنظيم الأم بهدف الإستفادة من قدراتها على الصعيد الميداني، سواء كان ذلك عبر إغرائها بالمساعدات المالية والعسكرية أو بترهيبها من إمكانية شن حملة واسعة عليها، يبدو أن بعض الجهات الإقليمية والدولية، الساعية إلى "تلميع" صورتها، مصرة على المضي في خطواتها مهما كان الثمن، خصوصاً أن لا بديل لديها حتى الساعة من هذه الورقة من أجل السعي إلى إحداث تبديل في الواقع السوري، بغرض الإستفادة منه سياسياً في مرحلة لاحقة.

من حيث المبدأ، لم يعد من الممكن إستخدام ورقة تنظيم "داعش" لتحقيق الغاية المنشودة، نظراً إلى الجرائم التي إرتكبها بحق مواطنين من بعض الدول الغربية، في حين أن الإعتماد على فصائل سورية مقاتلة، لا تزال تصنف "معتدلة"، لا يبدو أمراً واقعياً، بسبب فشلها في تحقيق أي "إنجاز" عسكري، بالإضافة إلى محاربتها من قبل "داعش" و"النصرة"، والحديث عن تدريب بعض عناصرها في الدول المجاورة من المتوقع أن يأخذ وقتاً طويلاً، ما يتطلب الإستمرار في الضغط على "النصرة" لتبديل سلوكها.

في هذا السياق، تلاحظ مصادر متابعة التطور الميداني الكبير الذي حصل على صعيد أداء "النصرة" في الفترة الأخيرة، لا سيما بالنسبة إلى تقدمها في أكثر من جبهة على نحو واسع، بعد تراجعها على مدى أشهر طويلة، الأمر الذي ترافق مع تهليل واسع من قبل شخصيات ووسائل إعلام عربية نافذة، ذهبت إلى تعميم الأخبار بالقول أن قوى المعارضة سيطرت على هذه المنطقة أو تلك، في حين كانت تظهر التأكيدات بأن الجبهة هي من تحقق هذه الإنتصارات، كما حصل عند السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن.

هذه المحاولات لم تقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى حد إعلان "الإئتلاف الوطني السوري"، بعد سيطرة الجبهة على مدينة ادلب، عن سعيه إلى نقل مقر الحكومة المؤقتة إليها، إلا أن المفاجأة كانت باعلان "النصرة" رفضها هذا الأمر، على الرغم من حصولها على دعم من قبل فصائل أخرى في العملية، ما يعزز نظرية وجود جناح "متطرف" رافض لخيارات التعاون مع الآخرين، مقابل جناح "معتدل" يسعى إلى التعاطي مع التطورات بواقعية أكبر، إلا أن القرار الحاسم، بحسب ما تؤكد المصادر المتابعة، لا يزال بيد الأول، خصوصاً أن أمير الجبهة أبو محمد الجولاني من أبنائه.

على الرغم من ذلك، تجزم المصادر، لـ"النشرة"، بأن لا بديل عن خيار "تلميع" أو "تبييض" صورة "النصرة" الارهابيّة على الساحتين الإقليمية والدولية، وتشير إلى أن بعض الأوساط تؤكد المضي به مهما كان الثمن، خصوصاً أن من بين قياداتها من هو مستعد لهذا الخيار، من خلال الإعلان عن فك الإرتباط مع "القاعدة"، كما حصل مع أمير "كتائب عبدالله عزام" الشيخ سراج الدين زريقات، وتوضح أن التعاطي معها اليوم على أساس أنها جسم واحد غير منطقي، خصوصاً أن أسلوبها بين منطقة وأخرى يختلف، لا بل حتى تحالفاتها منفصلة، حيث لا يمانع بعض الأمراء التعاون مع "داعش" في الوقت الذي يعطي فيه البعض الآخر الأولوية لمحاربة التنظيم.

وأمام هذا الواقع، تبدو كل الإحتمالات متاحة في التعامل مع الجناح المتشدد، أولها الإستمرار في الضغط عليه عبر قطع المساعدات عن الجبهة، إلا أن المصادر لا تستبعد خيار التصفيات الجسدية، مع أنها ترجح في حال الإستمرار على هذا المنوال حصول إنشقاق في الجبهة، يحمل عنوان الإبتعاد عن "القاعدة"، والإلتزام بالعمل في إطار الساحة السورية ومحاربة "داعش" والنظام معاً.

وتلفت إلى أن الهدف الأساس من ذلك هو الحصول على المساعدات العسكرية والمالية بشكل أكبر، بعيداً عن القرارات الدولية التي دعت إلى العمل على تجفيف مصادر تمويل المنظمات الإرهابية، والتي تضع "النصرة" على لوائحها الخاصة، إلا أن هذا الأمر يطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، فهو يأتي أولاً وأخيراً في سياق الإحتيال، فهل يكفي أن يتم الإتفاق على إعلان الإنفصال عن "القاعدة" لتشريع عمل الجبهة؟ مع العلم أن في عمل هذه المنظمات من الممكن أن يكون "الولاء"، أو ما يسمى "البيعة" أمراً سرياً، وماذا عن العمليات التي تقوم بها خارج سوريا، لا سيما في لبنان، وما هو مصير المقاتلين الأجانب؟

في المحصلة، هي عملية معقدة وطويلة، بحسب ما تؤكد المصادر، لكن الإستمرار بها لا عودة عنه، خصوصاً أن الجميع يدرك أن دفع القيادة السورية إلى تقديم تنازلات لن يكون بالأمر السهل، إلا بحالة حصول بعض التبدلات الميدانية، فهل علينا من الآن البدء بالتعود على فكرة جلوس عناصر "القاعدة" على طاولة المفاوضات؟