بين مساء الجمعة وصبيحة الإثنين، ساعاتٌ ثقيلة مرّت على "حلفاء السعودية" في لبنان..

البداية كانت مع معادلة "كفى" التي أطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في وجه "مملكة الخير"، كما وصفها ساخرًا، والتي تحوّلت سريعًا إلى "كابوس حقيقي" بالنسبة لهم، "كابوس" لم يعرفوا كيف يستفيقون منه ولا كيف يبرّرونه، إلى أن حملت صبيحة الإثنين "الأخبار السارة" لهم.

سريعًا، تنفّس "الآذاريون" الصعداء. كلمة السرّ باتت "جاهزة"، والمعادلة بسيطة جدًا: "شكرًا" مقابل "كفى"، و"الشكر" يُترجَم على الأرض، عبر هبةٍ شكّك كثيرون بها، فوقعت عليهم وقع الصاعقة!

رسالة للمشكّكين..

برأي مصادر سياسية في قوى الرابع عشر من آذار، فإنّ الدفعة الأولى من الأسلحة الفرنسية التي نصّت عليها الهبة السعودية شكّلت أبلغ وأفضل ردّ على كلّ "الحملات السياسية" التي تعرّضت لها المملكة العربية السعودية من بعض أفرقاء الداخل، وهي بحدّ ذاتها "رسالة" لكلّ المشكّكين الذين انتهجوا نهج "الافتراء" و"التجنّي" من دون وجه حق، على حدّ تعبيرها.

لم تنتظر قوى "14 آذار" أيّ تدقيق بنوعية الأسلحة وفعاليتها، ولم تلتفت لما يُحكى في الكواليس عن "فيتو" على تزويد الجيش بأسلحة فعّالة وفتاكة تمكّنه من مواجهة عدوه. تستند مصادرها إلى القول الشهير "المكتوب يُقرَأ من عنوانه"، لتجزم أنّ الهبة السعودية تحدّت كلّ الأقاويل. هي تذكّر بأنّ هذه الهبة حورِبت من البعض منذ اليوم الأول لإعلانها، حيث لم يبقَ أحد من معارضي المملكة إلا وشكّك بها، والبعض كان حتى الأمس يسخّفها ويسخر منها. "وصل الأمر بالبعض إلى حدّ القول أنّ السعودية لن تقدّم للجيش ولو سلاحاً بسيطًا لا يضرّ ولا ينفع، فعلى الأقلّ، وأيًا كانت نوعية الأسلحة، فُضِح هذا البعض، وبات الأفضل له أن يصمت".

"الحكي ما عليه جمرك"، تقول المصادر "الآذارية"، مردفة: "فليتحلّ المفترون على المملكة بالجرأة والشجاعة للاعتذار". برأيها، من يقول "كفى" للسعودية يوجّه "إهانة" لنفسه أولاً، لأنّ المملكة باتت الدولة الوحيدة التي سلّحت ​الجيش اللبناني​، بعكس الدول التي يسعى هؤلاء لخدمة أجنداتها دون أيّ اعتبار لـ"المصلحة اللبنانية العُليا". ولذلك، فإنّ المطلوب القول "شكرًا للسعودية" لا "كفى".

وصاية سعودية غير مُعلَنة؟

بيد أنّ هذا المنطق لا يجد "آذاناً صاغية" أبدًا في فريق الثامن من آذار، الذي تؤكد مصادره ترحيب قياداته المبدئي بأيّ سلاحٍ يقدَّم للجيش اللبناني أيًا كان مصدره، ولكنّها تتحدّث عن "شكوكٍ" لا بدّ أن تحوم حول هذه الهبة وتوقيتها وشروطها. توضح هذه المصادر أنّ الأحداث الأخيرة أثبتت أنّ هناك "وصاية سعودية" على لبنان بكلّ ما للكلمة من معنى، ولو غير مُعلَنة، وما تدخّل السفير السعودي علي عواض عسيري بالشاردة والواردة وصولاً لحدّ تدخّله بما يبثه وما لا يبثه الإعلام اللبناني، والذي تجلى في "انكفاء" معظم المحطات التلفزيونية عن نقل خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الأخير على غير عادتها، سوى خير دليلٍ على ذلك. ويُضاف إلى ذلك "انتفاضة" فريق "السيادة والحرية والاستقلال" ضدّ من يتعرّض للمملكة بكلمةٍ واحدةٍ ومحاولة قمع أيّ رأيٍ مخالفٍ ومصادرته تحت ذريعة الحفاظ على المغتربين تارة ومصالح لبنان تارة أخرى.

كلّ هذه الأمور تجعل التشكيك بالشروط المرسومة حول هذه الهبة أمرًا بديهيًا، برأي المصادر، التي لا تستبعد إمكانية "تجميدها" في أيّ لحظة بعد أن تكون قد أدّت "قسطها السياسي"، خصوصًا مع تقسيمها إلى عشرات الدفعات، تفصل بين الدفعة والأخرى أيامٌ طويلة، علمًا أنّ التسريبات تشير إلى أنّ الدفعة الثانية مثلاً لن تصل قبل شهرين. وترفض هذه المصادر توظيف الهبة السعودية في سياق الصراع السعودي ال​إيران​ي وكأنه انتصارٌ للسعودية وإثباتٌ لحسن نواياها، كما يحاول البعض الإيحاء، في حين أنّ القاصي والداني يعلمان أنّ إيران مستعدّة للقيام بالمثل، وأنّ الحكومة اللبنانية هي من تتلكأ وتماطل بضغط من القوى "الممتنّة" اليوم للسعودية، في وقت أكّد الإيرانيون أنّ الهبة ستصل كاملة دفعة واحدة فور موافقة الحكومة اللبنانية، "وبدل التشكيك بصحّة الوعود الإيرانية، كان يمكن لهم أن يوافقوا، وعندها تظهر الحقيقة بلا لبس".

بوصلة نصرالله..

اللافت في الموضوع أنّ فريقي الثامن والرابع عشر من آذار قاربا وصول دفعة الأسلحة من حيث الموقف السياسي لا أكثر ولا أقلّ. وبحسب مصادر مطلعة، فإنّ هذا الأمر بدا طبيعيًا وبديهيًا في ضوء الخطاب الأخير للسيد نصرالله، والذي رفع فيه السقوف عاليًا، ووضع حدًا لسياسة المهادنة والمراعاة التي كان ينتهجها مع السعودية، مطلقاً استراتيجية جديدة اختار لها عنوان "كفى"، كتعبير عن تسمية الأشياء بمسمياتها، من دون أيّ حَرَجٍ.

وتشرح المصادر في هذا الإطار أنّ السيد نصرالله وجّه البوصلة بشكل واضح وهيّأ الرأي العام لاعتبار السعودية بؤرة الشر ومصدر الإرهاب العالمي، باعتبارها المموّل الأساسي لهذا الإرهاب بكافة أفرعه وأشكاله، الأمر الذي أغاظ خصومه بشكلٍ كبير، الذين اعتبروا أنّه تخطى كلّ الحدود المسموح بها، وتجاوز كلّ الخطوط الحمراء، معرّضًا مصالح لبنان للخطر، وذهب بعض هؤلاء لحدّ الحديث عن "ازدواجية" وقع بها الرجل، حين رفض منطق السعودية في اليمن، وخصوصًا لجهة حديثها عن تفادي خطر محتمل من اليمن الجار، في وقت "يدّعي" أنه يعتمده في سوريا، حين يقول أنّ تدخله في القتال يهدف إلى تلافي الخطر المحتمل الذي تمثله الجماعات المتطرّفة.

من هنا، تعتبر المصادر أنّ مقاربة وصول الدفعة الأولى من الهبة السعودية لم تُقرَأ إلا من هذه الزاوية، حيث لم يكن ممكنّا لفريق الثامن من آذار أخذها "على المحمل الحسن" انطلاقاً من الحرب القائمة مع المملكة، فيما سارع فريق الرابع عشر من آذار إلى "تبنّيها" وإحاطتها بـ"الطنّة والرنّة" وما شابههما، قارئًا فيها "انتصاراً" لخطه بوجه كلّ الأقاويل، وإعادة اعتبار للمملكة، بعد "الإحراج" الذي سبّبه خطاب السيد نصرالله..

أبعدوا الجيش عن السياسة..

هكذا إذاً، لا يزال كلّ شيءٍ مسيّسًا في لبنان. الهبة السعودية للجيش تُصرَف سياسيًا لا أكثر ولا أقلّ، ومثلها الهبة الإيرانية، وغيرها، ولا أحد على الإطلاق يقاربها من زاوية الحاجات الفعلية للمؤسسة العسكرية. والأخطر من كلّ ذلك أنّ كثيرين لا زالوا يحاولون جرّ المؤسسة العسكرية إلى دهاليز السياسة، بدليل التصريحات التي نُسبَت لقائد الجيش العماد جان قهوجي، والتي يعلم أيّ متعاطٍ بالشأن السياسي أنها لا يمكن أن تصدر عنه.

الجيش يجب أن يبقى خطاً أحمر، وعلى الجميع العمل على دعمه بكلّ السبل والطرق، لأنّ الجيش اللبناني متى كان قويًا، فهو الحصانة الوحيدة التي يمكنها ضرب كلّ الأعاصير.