من الطبيعي أن تعتَبر الدُول التي شاركت في "​عاصفة الحزم​" أنّ هذه العمليّة العسكريّة حققت أهدافها أو أغلبيّتها، ومن الطبيعي أن تعتبر جماعة "أنصار الله" والجهات التي دعمتها أنّ العمليّة المذكورة فشلت في تحقيق كل أهدافها، باعتبار أنّ ذلك يدخل في سياق الحرب الإعلامية التي تُشكّل جزءاً من الحرب الميدانية في أي صراع في العالم. لكن من هو الرابح بالفعل؟

بغضّ النظر عن الأهداف العسكريّة التي أعلنت "قوات التحالف" عن تدميرها كلّياً أو جزئياً خلال 2500 غارة جويّة تقريباً على مدى أقلّ بقليل من شهر(1)، وبغض النظر عن إعلان "الحوثيّين" في المُقابل أنّهم تمدّدوا عسكرياً وعّززوا سيطرتهم الميدانية خلال المواجهة الأخيرة، الأكيد أنّ الأزمة اليمنيّة إنتقلت من مرحلة إلى أخرى، مع الإعلان عن وقف عمليّة "عاصفة الحزم" وإطلاق عمليّة "إعادة الأمل" منذ بضعة أيّام. فهذا التحوّل فتح الباب واسعاً مُجدداً أمام حصول تسوية إقليميّة–دوليّة بشأن الأزمة اليمنيّة، بعد التعثّر الذي أصاب المحاولات السابقة، منذ تسليم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح السلطة في 25 شباط 2012، وحصول تسوية قضت بوصول عبد ربه منصور هادي كخلف له(2).

فعمليّة "عاصفة الحزم" أعادت نوعاً من التوازن بين الأطراف السياسيّة المُتصارعة على أرض اليمن، بعد أنّ كانت الدفّة مائلة بشكل كبير لصالح التحالف الميداني غير المُعلن بين الرئيس صالح، وجماعة "أنصار الله". والمرحلة الحالية هي مرحلة تثبيت المواقع العسكريّة كما هي، حيث أنّ الغارات الجويّة لطائرات "قوات التحالف" ستستمرّ على الرغم من الإعلان عن وقف العمليّات، وذلك عند أيّ تحرك قتالي للمُسلّحين الحوثيّين، لمنعهم من السيطرة على مواقع جديدة، أو لتدمير هذه المواقع في حال سقوطها، حيث أنّ دول "التحالف العربي" مُصرّة على منع أيّ تغييرات ميدانية كبيرة في اليمن. كما أنّ الحصار الجوّي والبحري المفروض على المطارات والموانئ اليمنيّة سيستمرّ بدوره، وذلك في انتظار حصول تطوّر على مستوى المفاوضات التي تلعب فيها أكثر من دولة دور الوسيط، وفي طليعتها روسيا وباكستان وسلطنة عمان.

ويجري حالياً العمل على وضع الخطوط العريضة للمفاوضات المُرتقبة بين مختلف الأطراف اليمنيّة، والتي ستشمل كل الجهات من دون إستثناء، وتحديداً تلك التي لها سيطرة ونفوذ على الأرض، وكذلك تلك التي تقلّصت مساحات سيطرتها. وبالتالي من المتوقّع أن تُشارك الأطراف اليمنيّة التي كانت تشارك في الحوار، قبل سيطرة ميليشيات "أنصار الله" على صنعاء وعمران، في جولات المفاوضات المقبلة. لكن هذه المرّة ستحظى بدعم إقليمي أكبر، وبغطاء دولي إنطلاقاً من قرار مجلس الأمن رقم 2216 بشأن اليمن.

وفي الوقت الذي يَضغط "الحوثيّون" ومن خلفهم إيران، لمنع عودة الرئيس هادي، تضغط السعودية لدفع الرئيس صالح إلى خارج البلاد، كونه وبعد أن قاتل الحوثيّين أكثر من مرّة خلال حُكمه، عاد وتحالف معهم عند إخراجه من السلطة، إنتقاماً من السعودية ودول الخليج. وتعتبر المملكة أنّ موضوع عودة الرئيس هادي قابل للتفاوض، حيث أنّ المهمّ هو إعادة السلطة الشرعيّة الرسميّة إلى اليمن. ويجري العمل على المستوى الدبلوماسي الإقليمي والدّولي على صيغة تحفظ ماء وجه الرئيس هادي (70 سنة)، وتقضي باستبداله بنائب الرئيس ورئيس الوزراء خالد محفوظ بحّاح (50 سنة)، وذلك عبر الإيحاء بأنّ الإستغناء عن هادي هو لأسباب مرضيّة تتعلّق بمشاكل بالقلب وليس لأسباب سياسيّة. وما تُركّز عليه السعودية في مطالبها يتمثّل في إنسحاب القوات الحوثيّة من مختلف المواقع التي سيطرت عليها في الأشهر الأخيرة من المعارك في اليمن، وفي إعادة تشكيل الجيش اليمني وفق أسس جديدة، بحيث لا تكون الألوية مُوالية لجهة مذهبيّة، أو لشخصيّة سياسيّة مُحدّدة، كما تبيّن خلال معارك الأشهر الأخيرة في اليمن، ومعركة عمليّة "عاصفة الحزم" أيضاً. وتطالب السعودية أيضاً بأن يكون لها دور أساسي في إعادة بناء اليمن الذي تدمّرت بنيته التحتيّة ليس من جرّاء "عاصفة الحزم" فحسب، بل بفعل جولات متتالية من الإقتتال الداخلي، باعتبار أنّ العامل الإقتصادي هو ورقة ضغط مهمة إلى جانب الورقة العسكريّة. في المقابل، يرفض "الحوثيّون" العودة إلى مرحلة ما قبل تاريخ 21 أيلول الماضي، أي ما قبل السيطرة على صنعاء. وهم يرفضون عودة الرئيس هادي أو أحد أركان حُكمه، كمُمثّلين للشعب اليمني، ويطالبون بإعادة تشكيل السلطة مُجدداً إنطلاقاً من الصفر، وبمواجهة الجماعات المُوالية لتنظيم "القاعدة" الإرهابي والتي سيطرت على مساحات مهمّة من اليمن. كما يُطالب الحوثيّون بمواجهة ظاهرة الفساد في السلطة والدولة، وبالإستجابة لمطالب الشعب الإقتصادية والإجتماعيّة، علماً أنّ أهدافهم السياسيّة والأمنيّة الفعلية هي أبعد وأعمق بكثير من الشعارات الإنسانيّة والمطلبيّة التي يرفعونها ظاهرياً.

في الختام، لا يُمكن الحديث عن رابح في اليمن من اليوم، باستثناء الشعب اليمني الذي أمامه حالياً أمل جديد بعودة السلام والإستقرار إلى بلاده، علماً أنّ النتيجة النهائيّة للمفاوضات المُرتقبة هي التي ستُحدّد نسبة ربح كل طرف من الأطراف المُتواجهة. لكن الأكيد أنّ ما قبل "عاصفة الحزم" ليس كما بعدها، وفي حال الإستمرار في رفض أو عرقلة محاولات إجراء مفاوضات متكافئة، فإنّ الغارات الجويّة ستستمرّ إلى حين إنتزاع هذه الموافقة.

(1)بدأت الغارات الجويّة لطيرات "التحالف العربي" الساعة الثانية من ليل يوم الخميس 26 آذار، وحُكي عن تدمير أجزاء كبيرة من كل من الدفاعات الجويّة، وأنظمة الإتصال العسكري، والصواريخ الباليستية المتوسطة والبعيدة المدى، ومخازن الأسلحة والتصنيع وورش الصيانة العسكريّة، إلخ.

(2)بعد الإحتجاجات الصاخبة التي قامت ضُد حُكم الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن سنة 2011، تدخّل أكثر من طرف لإقناع صالح بتسليم السلطة، وهو ما فعله بعد عام كامل بموجب "المبادرة الخليجيّة" التي قضت بتسلّم الرئيس هادي الحكم لمرحلة إنتقالية.