خطف الموت أحمد محمد عبدالله مسؤول العلاقات العامة لحركة "فتح" في منطقة صيدا عن 71 عاماً.

وقع خبر رحيله بحادث سير مروّع، كالصاعقة على كل مَنْ عرف الراحل، الذي يُعتبر أنموذجاً من طراز فريد يندر وجوده في هذا الوقت بالذات.

الأستاذ أحمد... المدرِّس والناظر لعقود من الزمن، ساهم بتخريج أجيال، تبوأ كثر منهم مراكز مرموقة.

وهو من الذين وُلِدوا في ​فلسطين​ في العام 1944، وخرج طفلاً في نكبة العام 1948، ومنذ صغره اختار طريق النضال من أجل العودة للأرض، التي أبصر فيها النور، واقتُلِعَ قسراً مع عائلته منها.

طالباً وأستاذاً... فدائياً وكادراً... تشهد له كل الساحات والمناسبات بأنّ هدفه وقضيّته هي فلسطين التي تهون من أجلها كل التضحيات.

ناضل في شتى المجالات، والتحق بصفوف حركة "فتح" مع الانطلاقة الأولى للثورة الفلسطينية في أواسط العقد السادس من القرن الماضي، فعرفته دساكر الثورة في مختلف مناطق الجنوب، ولم يكن هاجسه المراكز أو المسؤوليات، فأينما كان لا هم، الأهم بالنسبة له أنّ ذلك هو نضال من أجل فلسطين والقضايا الوطنية والقومية التي التصق بها.

في أي نشاط أو مناسبة وطنية أو قومية، سواء في مخيَّمَيْ عين الحلوة والمية ومية وصيدا والغازية والجنوب، لا يمكن إلا أنْ تجد أحمد عبدالله، ليس حاضراً بل مقداماً في التحضير من توزيع الدعوات والاتصالات إلى الاستقبال والتنظيم، حتى لو لم يكن النشاط لحركة "فتح"، فلطالما هو من أجل فلسطين تجده مُبادِراً، وكأنّه من أهل البيت، لا يزاحم على الجلوس في الصفوف الأمامية، بل ينافس على إيجاد موطئ قدم من أجل خدمة فلسطين.

تحتار هو مع مَنْ وإلى أي بلدة لبنانية أو مخيّم ينتمي، فتعتقد بأنّه منها لما يعرف من تفاصيل عنها وعن أبنائها وما مر بتجارب وحفظ من ذكريات وإياهم، ولم يقتصر دوره على ذلك، بل كان يبادر إلى تأمين الدواء والاستشفاء والمساعدات للمحتاجين وينتقل من مدرسة إلى أخرى من أجل تسجيل طالب حالت الظروف دون تمكّنه من ذلك.

لم يتغيّر أحمد عبدالله بتغيّر الظروف وتبدّلها، بل بقي كما هو، طيّب، صادق مع نفسه ومع الآخرين، مقدامٌ، مبادر، وإذا ما التقيته يُسارع إلى الاعتذار والاستسماح عن أي تقصير بكل طيبة وعفوية، فاستحق لقب المناضل عن جدارة.

سأل البعض: هل هكذا موكب تشييع أحمد عبدالله؟

نعم إنّه كذلك، فقد نسج مروحة من العلاقات مع كل الأطياف القومية والناصرية والبعثية والاسلامية وفصائل المقاومة الفلسطينية، فالراحل لا يترك مناسبة إلا ويشارك فيها أينما كانت غير آبه للمخاطر، حتى عندما صدمته سيارة كان قد شارك في تشييع "حزب الله" لأحد عناصره عدنان سبليني في الغازية، فكان يتنقّل مثل الفراشة من منطقة إلى أخرى، وكم كانت "مقبرة صيدا الجديدة" في سيروب التي تحضن رفاته شاهدةً على مشاركته في وداع أخ أو صديق أو أخت أو زوجة أو إبنة أو أم عزيزٍ، كانت أمنيته أنْ يزور أرض الوطن فلسطين التي أبصر فيها النور ودخلها فدائياً، على أمل أنْ تُنقل رفاته إلى أرض الرسالات السماوية.

سنفتقد "أبو محمد" في أتراحنا ومناسباتنا، لكن ما يعزّينا أنه حين يرحل المرء لا تنفع المراكز بل الأعمال، ونشهد له أنّه كان مؤمناً، ملتزمناً، وصادقاً، ولا نزكّي على الله أحداً فاستحق في جهاده مركزاً مرموقاً ناله بجدارة بأنّه "مناضل" من طراز مميّز.

رحم الله أحمد عبدالله وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله وذويه وإخوته ومحبيه الصبر والسلوان، فهو نموذج من الصادقين في العمل الوطني الفلسطيني - اللبناني.