قتال حزب الله للمجموعات التكفيرية المسلحة ليس أمراً مستجداً، ورغم اعتراض "تيار المستقبل" على دخول المقاومة الميدان السوري، غير أن "التيار" تعايش مع الواقع، وشارك "الحزب" في تأليف الحكومة السلامية، تلت ذلك جولات تنسيق أمني عدة بين الفريقيين على أعلى المستويات، أسهمت في نجاح تنفيذ الخطط الأمنية في مختلف الأراضي اللبنانية، لاسيما في البقاع الشمالي، ومؤخراً في ضاحية بيروت الجنوبية.

إذاً، لماذا هذه "الهستيريا المستقبلية" على المقاومة ومحاولة وضع الخطوط الحمر أمامها لثنيها عن ملاحقة التكفيريين في جرود عرسال، الذين استباحوا دماء أهالي منطقة البقاع الشمالي، في وقت لم تتخذ الحكومة قراراً سياسياً يُفضي إلى دخول الجيش اللبناني إلى عرسال، وإزالة "الإمارة الإسلامية" و"محاكمها الشرعية" من البلدة المستباحة، مادام "التيار الأزرق" متمسكاً بخيار الدولة ومؤسساتها؟

لاشك أن السبب الجوهري لهذه "الهستيريا" هو تهاوي المسلحين التكفيريين تحت ضربات الجيش السوري والمقاومة في السلسلة الشرقية، وبالتالي إفشال "المخطط السعودي" بمحاولة الالتفاف على العاصمة السورية دمشق من الغرب، وأيضاً وضع المسلحين في تماس مع حزب الله في منطقة بعلبك - الهرمل، حيث كانت عرسال وماتزال تشكّل قاعدة إمداد للتكفيريين وما تبقى منهم في "السلسلة"، لاسيما في جرود البلدة.

ويبدو أيضاً أن "التيار الأزرق" يحاول استنهاض شارعه، ولهذه الغاية قد يستغل مسألة حرب المقاومة على المسلحين التكفيريين في الجرود المذكورة، كما استغل قضية الحكم على الوزير السابق ميشال سماحة للغاية عينها.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر حزبية طرابلسية أن "التيار" ينظم في طرابلس والشمال بعض الأنشطة؛ في محاولة للململة جمهوره بعد سلسلة الخيبات التي تلقاها، والتي كانت آخرها خسارة الحريريين في انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الاعلى في الشمال، فقد أعادوا إحياء ذكرى مرور سنتين على مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد، على سبيل المثال.

وتستبعد المصادر أن يستبيح "المستقبل" أمن عاصمة الشمال عند مهاجمة حزب الله التكفيريين في جرود عرسال، خصوصاً أن وزارة الداخلية المعنية بالشأن الامني هي عهدة "التيار"، معتبرة أن أنشطته الأخيرة تهدف الى تعبئة جمهوره، بعد التراجع الشعبي في صفوفه، وأيضاً تحسباً لأي أمر عمليات إقليمي قد يأتيهم بالتحرك، في ضوء التطورات التي تحدث في المنطقة.

في المحصلة، تطرح الأسئلة الآتية: هل يبارك "المستقبل" تفجير القطيف؟ إذا كان الجواب: لا، فلماذا يشن حملة إعلامية على السيد حسن نصرالله بعد حديثه عن عزم البقاعيين اقتلاع التكفيريين الذي عاثوا في منطقتهم قتلا وخطفاً وإجراماً وقصفاً للمدنيين، وإرسال السيارات المفخخة؟ أو هل "التيار الأزرق" وحلفاؤه مطمئنون لأداء التكفيريين في لبنان والمنطقة، ولديهم ضمانات أنهم في منأى عن أي اعتداء تكفيري محتمَل، أو أنهم مصابون بمرض "عمى الألوان"؟