لم يكن ما قام به اللواء الثامن في ​الجيش اللبناني​ بالأمس داخل بلدة عرسال عملية أمنية يمكن وصفها بالـ"نوعية"، ولم يتخط ما حصل حدود الدوريات المؤللة الروتينية. على رغم كل ذلك، هناك من قرر تضخيم ما حصل لغايات في نفسه. تضخيمٌ شاركت وسائل إعلامية عدة به عن قصد أو من باب المنافسة، بإرسالها عشرات الرسائل الخلوية القصيرة، حتى شعر اللبنانيون للحظة أن الجيش اللبناني سبق "حزب الله" وبدأ بتنفيذ عملية أمنية تهدف الى تطهير الجرود من المجموعات الإرهابية المنتشرة فيها، وتوقيف جميع المتورطين معها داخل البلدة، أكان هؤلاء من أبناء عرسال أو من السوريين الذين يتغلغلون داخل مخيمات النازحين، وهم لا يمتّون الى النزوح بصلة لا من قريب ولا من بعيد.

تضخيم فرضته تطورات عدة بحسب المصادر الأمنية المتابعة، منها ما هو سياسي بإمتياز ومنها ما له علاقة بالميدان.

في السياسة، جاء تضخيم خبر دورية اللواء الثامن تزامناً مع كباش حاد شهده مسرح السراي الحكومي بين وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" من جهة، ووزراء "تيار المستقبل" ورئيس الحكومة من جهة أخرى، وذلك على خلفية إصرار الفريق الأول على طرح موضوع عرسال خلال الجلسة وتلويحه بطريقة أم بأخرى باللعب بمصير الحكومة في حال رُفض هذا الطلب. في المقابل، كان الفريق الثاني يريد الإيحاء بأن الوضع في عرسال طبيعي، الجيش يمسك بزمام الأمور فيها ولا داعي لأن يتدخل أي فريق بوضعها الأمني، في رد واضح على كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي إعتبر فيه أنّ معركة عرسال آتية وسيخوضها الحزب الى جانب أهالي بعلبك الهرمل إذا لم تتحمّل الدولة مسؤولياتها هناك.

أما في الميدان، تتابع المصادر الأمنية، فالعملية النوعية التي نفذها الحزب في الساعات الثماني والأربعين الماضية في جرود بلدة نحله وعلى حدود بلدة عرسال والتي أطاحت بكامل مسلحي المجموعة التابعة لـ"جبهة النصرة"، دقت ناقوس الخطر الفعلي لـ"تيار المستقبل" الذي يرفع لواء الدفاع عن عرسال، وجعلته يشعر بجدية أن الحزب وصل الى تخوم البلدة، وأن كلام السيد نصرالله لم يكن من باب الضغط أو المناورة، ومن هنا جاء التضخيم الإعلامي المتعمّد للدورية التي نفذها اللواء الثامن.

"أياً تكن الأسباب، فما حصل لن يقدّم أو يؤخر بسير المعركة المرتقبة مع إرهابيي "النصرة" وما تبقى من عناصر تنظيم "داعش" الذين يحتلون مئات الأمتار من الحدود اللبنانية"، يقول أحد المقربين من حزب الله، مضيفاً: "المعركة آتية ومن يتابع السيد نصرالله يعرف أنه لم يقل ما قاله من باب التهديد أو التلويح، والحزب لا يتدخل في حالة واحدة وهي إذا رأى أجهزة الدولة العسكرية والأمنية تقوم بما يجب في عرسال".

إذاً لا تأثير للتضخيم الإعلامي لدور الجيش، على معركة عرسال وما من شيء يتحكم بتوقيت تنفيذ العملية العسكرية التي يريدها الحزب إلا تطورات الميدان في الجرود ومفاوضات العسكريين الأسرى التي يقودها اللواء عباس ابراهيم.