توحّد المسلمون في بداية شهر الصوم المبارك في خطوة قلّ نظيرها في السنوات الماضية، فالمذاهب الاسلامية على تنوعها أعلنت اليوم الخميس بداية ​شهر رمضان​، ليشكل هذا المشهد الجامع رسالة وحدة الى كل المسلمين في العالم العربي.

قبل بلوغ شهر "الله" من كل عام، يكثر الحديث عن موعد بدايته ونهايته، فالسنّة في لبنان يتبعون السعودية، والشيعة منقسمون، فمنهم من يتبع مرجعية ايرانية، وغيرهم عراقية، وآخرون يتبعون مرجعية السيد الراحل محمد حسين فضل الله، وكان لكل مرجعية رؤيتها الخاصة التي تحدد على اساسها بداية الصوم وانتهاءه. أما هذا العام فكانت مفاجأة ايجابية، فالسنة والشيعة يبدأون الصوم معاً.

الوحدة من الامور الواجبة

"وحدة المسلمين هي من الامور الواجبة ولا خيار للمسلم الا ان يلتزم بها، ومقابل ذلك هناك نهي شديد وتحريم لكل عمل أو قول يفرق بين المسلمين ويؤسس للفتنة بينهم"، هكذا يعبر مدير عام الاوقاف الاسلامية في لبنان الشيخ ​هشام خليفة​ عن موقفه من "المشهد الوحدوي الجميل"، مضيفا: "ان الواجب يدعونا للحفاظ على قواسم مشتركة، إذ ان الوحدة الاسلامية هي وحدة عائلة وكل من يخالف الوحدة يخالف المشيئة الالهية، فالله اراد ان نكون وحدة متكاملة، ومن سلك مسلك التقسيم والتفتيت هو انسان مخطىء وسيكون حسابه عند الله حسابا عسيرا لان الفرقة آثارها مدمرة".

وفي نفس السياق يعتبر العلامة السيد علي فضل الله ان أي مفردة يتوحد عليها المسلمون تساهم بتعزيز مناخات الوحدة، مشيرا الى ان ما يلتقي عليه المسلمون هو اكبر بكثير مما يختلفون حوله.

ويضيف السيد فضل الله: "إن الوحدة التي ظهرت في بداية شهر رمضان ونتأمل ان تكون في نهايته ايضاً، تُشعر المسلمين ان ما يلتقون عليه هو أمر كبير، لذلك يهمنا تعزيز هذه المفردات لأن الوحدة تتشكل من تجمع مفردات تؤكد على نقاط اللقاء بين المسلمين، ونحن نريد ان نجمع في أنفسنا نقاط التلاقي لا نقاط الخلاف، خاصة واننا نعاني من جو يسهل عمل العابثين بوحدتنا". ويرى السيد فضل الله ان التوحد حول بداية شهر رمضان هو خطوة جيدة، آملا "ان تتعزز هذه الوحدة علمياً، وهذا لا يحصل الا بالعودة الى العلم لأن الاختلاف قد يعود مجددا اذا استمر الاعتماد على الرؤية لأجل تحديد بداية ونهاية شهر رمضان المبارك"، مشددا على ان العلم حيادي ويلتقي عليه الجميع الى جانب عنوان وحدة الافق، داعيا لتعزيز هذا المفهوم الجامع الذي يحتاج الى بعض الوقت وبعض الجرأة.

هل للسياسة علاقة بشهر رمضان؟

يرفض السيد فضل الله ان يتهم دولا وأفرادا بإدخال السياسة بالدين، كما يرفض أن يُخرج الخلاف الذي تعود المسلمون عليه في شهر رمضان من عباءة الاختلاف الاجتهادي، ولكنه في الوقت نفسه لا ينفي ان يكون للسياسة علاقة. ويقول: "إن دخول الحسابات السياسية وارد في كل شيء وفي كل المفاصل والمواقع لكننا لا نستطيع ان نثبت هذا الامر وان نبني عليه".

من جهته يؤكد الشيخ خليفة على حق الناس بأن تفكر وان تتساءل عن علاقة السياسة بشهر رمضان، ولكن لا احد يستطيع ان يؤكد. ويضيف: " إن الهلال هو واحد والحكم الشرعي هو واحد، وان كان الاختلاف بدخول شهر رمضان غير مبني على اساس ديني فهو سياسي، وعندها يصبح هذا ظنا وهو اقرب الى الواقع"، مشيرا الى ان هذا الاختلاف لا يرضي الله على الاطلاق.

دعوة للوحدة...

يدعو السيد فضل الله المسلمين للاستفادة من شهر رمضان، لكي "نعيد غسل أنفسنا، وان نصوم عن كل كلام يثير الفتنة والاحقاد والضغائن والاتهامات التي لا تستند الى اساس وعن القتل واستباحة الدماء"، معتبرا ان شهر رمضان هو فرصة لتوحيد الصفوف وأن يكون فرصة للهدنة بين المتقاتلين في كل الدول لكي يعيش الجميع شهر رمضان دون عصبيات وانانيات وكل ما من شأنه ان يعصف بواقعنا.

كذلك، يشدد الشيخ خليفة على ضرورة الحفظ على الوحدة لمواجهة العدو الاسرائيلي والتغلب عليه، مشيرا الى ان الوحدة في الصوم هذا العام تُشعر المؤمن انه متوافق مع آدابه الايمانية ومع الاسس التي تربى عليها، معتبرا ان هكذا خطوات وحدوية ستكون مهمة جدا، ومطلوب ان تتكرر وان تصبح ثابتة من الثوابت.

اقترح البابا فرنسيس، منذ ايام تحديد موعد ثابت لعيد الفصح حتى يمكن الاحتفال به بشكل متزامن مع الكنيسة الأرثوذكسية، كذلك يطالب المسلمون بتوحيد بداية ونهاية شهر رمضان المبارك، لأن الجميع يعلم ان هذه المناسبات الدينية لها اهميتها البالغة في توحيد الشعوب.

تصوير تلفزيوني يورغو رحال