على قاعدة: “اذكر يا سياسي أنك من الشعب والى الشعب تعود” يعمل العماد ميشال عون. حار ودار وعاد الى الشعب لكن بفارقين هذه المرة: أولاً “الحكيم” يدعمه وكلاهما يسلّمان بنتيجة أي استطلاع مسيحي، وثانيًا، لا يكتسي هذا الاستطلاع صفةً إلزامية أي أنه يوصد الأبواب أمام محاولي إجهاضه بعصا الدستور والشرعية والميثاقية.

أرادت الرابية أن “تبكّلها” من كل النواحي لا سيّما القانونية منها، فأسقطت مفهوم “الاستفتاء” كي لا “يتنطّح” أصحاب “المآثر” الدستورية، وارتقت بمفهوم “الاستطلاع” الذي لا نقاش حوله والذي تضطلع به شركاتٌ إحصائيّة هدفها الربحيّة لا التحيّز الى اسمٍ دون سواه.

معايير غير محسومة

صحيحٌ أن الخطوط العريضة للاستطلاع المسيحي المفتوح على جميع الأسماء التي يتلفّظ بها أيُّ لسانٍ من ألسنة المُستطلعة آراؤهم اتضّحت لجهة الإشكاليّتين المطروحتين من رئاسة وقانون انتخاب عادل، بيد أن أيًا من النواحي التقنية لم يُحسَم بعد سواء لجهة عدد المسُتطلعة آراؤهم والذي لن يكون حكمًا أقلّ من 4 آلاف كثابتةٍ على ما علمت “​صدى البلد​”، أم لجهة معايير اختيار أبطال العيّنة المسيحيين، أم لجهة الشركة أو الشركات التي ستتولى هذه المسؤولية الحسّاسة. ولعلّ هذه النقطة هي بيت قصيد بنشعي التي تنحو الى خيار اعتماد شركاتٍ عدة ارتقاءً بعاملي الصدقيّة والدقّة.

الصورة باتت واضحة

إذا كانت الصورة التقنية لا تزال ضبابيّة في انتظار تبلور كلّ عناصر الاستطلاع، فإن الصورة السياسيّة باتت جليّة كلّ الجلاء. كان يوم أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح ابراهيم كنعان مرهقًا. فالانتقال بين بنشعي ومعراب والصيفي مهمّة تكاد تكون أكثر صعوبةً من إقناع أسيادها الثلاثة بنجاعة الاستطلاع. كلُّ شيء كان واضحًا وغدا أكثر وضوحًا بالنسبة الى “رسول” الرابية ومعه الجمهور المسيحي الذي يعشق ألاعيب التصويت: معراب تشجّع حتى النهاية بلا تراجع عمّا أعلنه الحكيم في غير مناسبة من الرضوخ لإرادة الناس؛ بنشعي تدعم حليفها في كلّ خطواته “على العميانة” ولكن بشروطٍ تقنيّة يخرقها موقفٌ سياسي واحد من فرضيّة وصول جعجع الى مرحلة التصويت الذي سيحرمه منه سليمان فرنجية من دون أن يعني ذلك عدم تسليمه بالنتائج؛ وبكفيا تحافظ كعادتها على هامش اعتراض تسمّيه هي “تمايز” فيما يجده الآخرون “مخالفاتٍ تافهة لتُعرَف ولتقطف ما استطاعت من ثمار أي مبادرة”، ومع ذلك لم تبدُ زيارة كنعان لرئيس حزب الكتائب الشاب سامي الجميل خسارة إذ كانت فرصة للتواصل مجددًا وللبحث في الكثير من الملفات خارج نطاق “إعلان النيات” واللقاء التشاوري على السواء في جلسةٍ دامت أكثر من ساعتين.

نُسخة منقّحة

هي نُسخة منقّحة بمفاعيل أقل خرجت بها الرابية تعويضًا عن إجهاض طرحها الأول الذي يركن هو الآخر الى الشعب ودوره بصفته مصدر السلطات. وإذا كانت أحجيات سقوط الطرح الأول الداعي الى انتخاب الرئيس من الشعب تنهل من الدستور قوّتها ومن استشراس عرّابي الطائف والمستفيدين منه في حمايته من أيّ “انقلاب”، فإن مبادرة الاستطلاع التي تلاقي ترحابًا أقله من ثلاثة أطراف مسيحيين رئيسيّين مع تحفّظ واحدٍ، تُحرِج الدستوريين والقانونيين كما السياسيين المعترضين استنادًا الى حقيقة أنها غير مُلزِمة سوى للمسيحيين أنفسهم والإلزام هنا لا يكمن في قانونٍ بقدر ما يكتسي طابع العهد أو كلمة الشرف بدعم من يحوز النسبة الأعلى من الأصوات، وبالتالي سقوط صفة “الإلزام” عنه يعني حكمًا استبعاد كلّ الثغرات المتعلقة بالجانبين الدستوري والقانوني وهو ما أراده التيار تحديدًا تلافيًا للوقوع في الفخّ نفسه يوم رمى شرارة طرحه الأول مع يقينه المُسبق باستحالة إبصاره النور.

في الرابية...

في الرابية تفاؤل غير معهود. في الرابية الخشية من خسارة العماد أصوات الشعب بفارق بسيط أو شاسع لا تطفو على سطح الهواجس المطروحة والتي تطمسها كلماتٌ ورديّة تصبّ في كليّتها في خانة التسليم بالإرادة المسيحيّة. لا تكهّنات مبكرة حول هوية الفائز بقدر ما تحوم تساؤلاتٌ حول احتمالية ولادة استطلاع مماثل. ولكن لمَ البرودة رغم أن عون قد لا يكون الأول مارونيًا في العينة؟ الجواب ليس عبارةً عن همسٍ في الرابية بقدر ما هو وضوحٌ في قناعات عون حسبما يقول مقرّبوه. فما يميّزه عن سواه هو أنه يقبل دومًا بكلّ ما يقرره الشعب ومن هنا أتت جملته الشهيرة: يا شعب لبنان العظيم. هو الذي عاد بأصوات الناس عندما يقرر هؤلاء خلاف ذلك سيضرب لهم سلامًا ويترك الساحة” يقول المقرّبون.

يضحكون في أعبابهم

بتمعّن ستبحث الرابية في ما يبدو أشبه بشروطٍ لفرنجية، تمامًا كما ستحاول تجاوز تحفّظ الكتائب بمباركةٍ عُليا لا تصلح أن تكون إلا لبكركي. المهمّة بالنسبة اليها تبدو غير صعبة طالما أن القواتيين شركاء وعبّروا عن رضاهم صراحةً. يضحك العونيون في أعبابهم على كلّ من يطلق العنان لتكهّناته المتعلقة بالعيّنة، فهم يثقون بالخبراء الذين سيتولون إخراج اللعبة الاستطلاعية والذين حَظُوا بموافقة جميع الشركاء في الاستطلاع الذين يتمتعون في الأساس بصدقيّة وحيادية عاليتين على مستوى طبيعة الاستمارات وأرقام الهواتف والأسماء والخانات وكلّ تلك التفاصيل التي قدّم عنها أشخاصٌ كثيرون شروحًا وعروضًا”.

قطع الطريق على الرماديين

ليل أمس ربما قال كنعان الكثير لعون، واليوم سيقول أكثر أمام الكتلة التي ستبلور موقفها من حصيلة يوم الاثنين الطويل. لا مراهنات باطلة تمامًا كما لا موانع صارخة. الهدف المبيّت-المعلن في آن قد يكون قطع الطريق على الرهانات الخاسرة على مرشّحين رماديين فشلت تجربتهم. وعليه، تلك الكرة الرئاسيّة التي كثيرًا ما ترامت ذهابًا وجيئًا قد تستقرّ في ملعب الشعب المسيحي الذي ستحسم عيّنةٌ منه “مارونيّها” الأول أو أبعد من ذلك ستحسم مواصفات الرئيس المبحوث عنه والذي لن يرضى عون وجعجع إلا أن يكون قويًا... على شاكلتهما.