لمن يسأل عن مصير جلسة اليوم الحكومية عليه أن يتوجّه الى إحدى واجهات الرئيس نبيه برّي التي يعرض فيها تنزيلات كبيرة. الرجل يلعبها “صولد وأكبر”، هدايا بالجملة لنفسه وصفعات بالجملة لحليف حليفه. هو يعتقد أنه لم يكن البادي ولا الظالم وأن شلل مجلسه المدلّل سببُه الشخص نفسه الذي يعطّل الحكومة اليوم. أرادها برّي سلّة متكاملة من باب حرصه الظاهري على موقع الرئيس تمام سلام فيما كان يضحك في عبّه في انتظار ردّ الجميل بفتح عقدٍ استثنائي يعيد الحياة الى مطرقته الهامدة.

قد تبدو المشهدية الحكومية القائمة على صفقةٍ “طلعت ريحتها” اليوم أشبه بالحلف الرباعي الشهير الذي يجمع بري وجنبلاط والحريري ومعهم هذه المرة الجميّل في صيغةٍ توليفيّة يقتحمها عنصرٌ خامس على تواضع فعاليته السياسية والحكومية وهو سيّد اللقاء التشاوري ميشال سليمان ودفعة خجولة من طرفٍ سادس لا حول له ولا قوة وهو سلام.

لعبة الأعصاب

كلُّ شيءٍ بات جاهزًا في مخيّلة برّي، إلا أن رجل الحسابات لم يحسب جيدًا أن تعوذيته قد تُفضَح قبل أوانها وأن أيّ ردة فعلٍ عونية ستكون “خطيئة برقبته” متى قرر البرتقاليون الذهاب بعيدًا بقلبهم الطاولتين الحكومية والنيابية على صاحبيهما. ليست هذه الصورة الغالبة في الرابية رغم أن التشنّج في كواليسها قد يوحي للكثيرين بخطوةٍ مماثلة حان وقتها ورغم أن الغموض الذي يلفّ الاجتماع الاستثنائي الذي يُعقَد بعد جلسة اليوم قد يؤشّر الى قنبلةٍ ما. يجيد عون لعبة الأعصاب حتى النهاية، وهو الذي يعرف أنه لم يحقّق مبتغى واحدًا حتى تاريخه، يدخل الحكومة اليوم منكسرًا لجهة قبوله المشاركة في جلسةٍ لا “تلكش” التعيينات حتى. لن يقبل الجنرال حتمًا بأن يأتي من يقول له بالدستور أو من دونه إن كلّ شيء يمكن أن يسير على ما يُرام معك ومن دونك بمعنى دعوته الصريحة الى الرحيل من دون أن تدمع عينٌ أو أن يتأثر نصاب. فعلها برّي. قزّم حضور عون الحكومي بضربه على وتر الثلثين أو النصف زائد واحد مستغلاً هشاشة المادة الدستورية وضبابيّتها إزاء ممارسة الحكومة صلاحيات الرئيس وانفتاحها على كلّ احتمالات الاجتهاد. ربما أخذ برّي في الاعتبار حجم الإحراج الذي سيسبّبه طرحٌ مماثل لحليفه العضوي حزب الله لجهة وقوفه الى جانب حليفه الماروني من جهة، من دون أن يكون عائقًا أمام استمرار عمل الحكومة من جهة ثانية، مع عدم إسقاطه الظروف الضاغطة التي لا تقع مساهمته في فرط عقد الحكومة في غمرتها في صالحه أو صالح أحد.

المصيطبة متفائلة

الأنظار اليوم ستتجه الى موقعين جغرافيَّين لا ثالث لهما: سراي الوسط أولاً، ورابية المتن ثانيًا. في السراي السيناريوهات المعروضة للمزايدة واضحة: إما تعليق الجلسة من سلام تداركًا للأفظع، وإما الاستمرار بها مع امتعاض عوني في انتظار خطوة تصعيديّة، وإما الفوضى الكلامية. أجواء المصطيبة متفائلة رغم كلّ شيء. لا تضع فرضية تعليق الجلسات في حساباتها رغم أنها أقوى الفرضيّات المنطقيّة. تقول إن الأمور ستسير على ما يُرام بحكمة سلام ووعيه. أما في الرابية فأمرٌ غريب يحدث. وفي هذا الإطار، علمت “​صدى البلد​” أن “الرابية تستعدّ لمرحلةٍ جديدة قد تنقشع خطوطها العريضة في الاجتماع الاستثنائي الموسّع اليوم الذي أصرّ عون على أن يحضره الى مقرّبيه ونوابه ووزرائه منسّقو المناطق وقطاع الشباب في التيار. جلّ ما يعرفه هؤلاء عن فحوى الاجتماع أن عليهم أن يستعدوا لمرحلة جديدة”.

خطّة استباقية

ما هي خطة الرابية الاستباقية؟ ليل أمس، بدت الخلايا البرتقالية وكأنها حفظت درسًا ذكيًا عن ظهر قلب، إذ علمت “البلد” ان “البرتقاليين حاولوا إحراج برّي قبل ساعاتٍ من الجلسة-الجدل بتشييع كلامٍ على التزامه قرار عون أو في أحسن الأحوال التزام الحياد تضامنًا مع الرابية. ولعلّ أولى خطوات تلك الخطة كانت تقتضي من الوزير الياس بو صعب إرسال كتاب احتجاجي الى سلام يعترض فيه على جدول أعمال جلسة الحكومة، قبل أن يُستَتبع ذلك بخطوةٍ مماثلة من وزراء 8 آذار. خطوة مقنّعة بشمل جميع وزراء 8 آذار فيما الحقيقة تشير الى أن حزب الله وحده من أقدم على ذلك من دون أن يكون برّي شريكًا، بيد أن إقحامه في اللعبة الكلامية بدا أشبه بلعبة ذكيّة، وربما يائسة، من الرابية لإحراجه والضغط عليه في جلسة اليوم.

3 سيناريوهات متساوية

بثلاثة سيناريوهات متساوية الحظوظ يدخل العونيون الى جلسة اليوم التي سيطرح وزراء التيار موضوع التعيينات في مطلعها من خارج الجدول، وعليه، ينتصر واحدٌ من سلوكيات سلام: إما أن يرفع الجلسة لاعتبار الشراكة الوطنية واحترام الفريق الذي يمثل الكتلة المسيحية الأكبر في البلد ولاعتبار أنه رئيس حكومة المصلحة الوطنية فيرفع الجلسة ويؤجلها الى ما بعد بعد رمضان؛ إما أن يترك إدارة الجلسة لنقاشاتٍ فيدلي كل فريق بدلوه وتتحوّل الجلسة الى فوضى؛ وإما أن ينكسر موقف التكتل مع حلفائه في 8 آذار وتستمر الجلسة رغم اعتراضهم وتُضرَب الشراكة الوطنية عرض الحائط، ولا يمكن لأحد أن يتكهّن ما قد يحدث بعدها.

رأيان متضاربان

تلك السيناريوهات السياسيّة غير المستقرّة تنافسها سيناريوهات دستوريّة إزاء طرح برّي بخفض النصاب الى “من حضر” والتصويت الى الثلثين أو النصف زائد واحد. وفي هذا المضمار، يشير المرجع الدستوري والقانوني بول مرقص لـ “صدى البلد” الى أن “الدستور اللبناني نصّ في المادة 62 على ممارسة مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، إلا أنه لم يضع نصابًا ولا أكثرية تُشترَط على مجلس الوزراء كي يمارس صلاحيات الرئيس، فانقسم الفقه الدستوري الى رأيَين: رأي أول يشترط أكثرية الثلثين لممارسة صلاحيات الرئيس على اعتبار أنها مرادفة للصلاحيات الأساسيّة المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور التي تتطلب خروجًا عن الأكثرية العادية بل ثلثي مجلس الوزراء. ورأيٌ ثانٍ يذهب الى اعتبار أن ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية من مجلس الوزراء تتطلّب إجماع الوزراء أي جميعهم لأنه لا يصحّ أن يكون تعيين موظف من الفئة الأولى في حاجة الى ثلثي أعضاء مجلس الوزراء باعتباره موضوعًا أساسيًا نصّت عليه المادة 65 من الدستور، وأن تكون صلاحيات الرئيس موازية لهذا العدد، بل يجب أن تتعدى الثلثين وأن تصل الى الإجماع لأنها أكثر أهمية وأرفع شأنًا من تعيين موظّف فئة أولى. وبالتالي هي ليست من الموضوعات الأساسيّة فحسب بل من تلك التي تفوق الموضوعات الأساسيّة وتتطلب إجماعًا. وقد درج مجلس الوزراء في الأشهر الأخيرة التي طال فيها الشغور على اعتماد هذا الرأي الثاني، لكن هذه القاعدة كبّلت عمل مجلس الوزراء، إذ يكفي اعتراض وزير واحد أو كتلة وزارية واحدة لتعطيل أي قرار حكومي. وإن المشترع الدستوري لم يلحظ في الأساس نصابًا أو أكثرية معيّنة لممارسة صلاحيات الرئيس لأنه اعتبر أن ممارسة هذه الصلاحيات من مجلس الوزراء لا يمكن أن تكون قاعدة كما هي عليه الحال منذ أشهر بل استثناء يدوم أيامًا معدودة فقط”.

دستورية العقد الاسثتنائي

وعن مدى دستورية فتح مجلس الوزراء عقدًا تشريعيًا استثنائيًا في ظلّ غياب رئيس الجمهورية قال مرقص: “مجلس النواب أصبح اليوم هيئة ناخبة لا اشتراعية حكمًا بمقتضى المادتين 74 و75 من الدستور، على اعتبار أن الدورة الأولى لانتخاب الرئيس كانت عُقِدت منذ أكثر من سنة ونحن اليوم أصبحنا في الدورة الثانية التي طال التئامُها وهي دورة انتخابية تقع حكمًا وتتقدّم على ما عداها من المسائل السياسيّة والاشتراعية والمالية والرقابية. بمعنى أنه لا يمكن دستوريًا اجتماع مجلس النواب سواء بعقدٍ عادي أم بفتح عقد استثنائي للقيام بأي عمل آخر سوى الشروع في انتخاب الرئيس”... ولكن قبل الوصول الى هذه المرحلة والبناء على نوايا المجلس، هل يحقّ للحكومة اتخاذ قرار فتح عقد استثنائي؟ يجيب مرقص: “ليس ثمة نصٌّ خاصٌّ في الدستور اللبناني على ذلك. وهنا لا بدّ من العودة الى قاعدتيْن لحل هذه الإشكالية الصامتة في الدستور: القاعدة الأولى هي الدستور الفرنسي الذي يحفظ للرئيس صلاحيات خاصّة به تُسمّى صلاحيات محفوظة، وليست في عدادها هذه الصلاحية. أما القاعدة الثانية فهي مدى وجود حصرية للرئيس لممارسة هذه الصلاحية فيتبيّن أن ممارسة صلاحية الدعوة للعقد الاستثنائي ليست من الأمور الطارئة والعاجلة والتي لا يُمكن أن تحتمل انتخاب الرئيس، لذا لا تعود لمجلس الوزراء ممارستُها على اعتبار أنها تحتمل الانتظار لغاية انتخاب الرئيس”.

الرهان على سلام

هكذا إذًا، أراد برّي أن ينقل مفهوم “ضرورة التشريع” الى الحكومة ببدعة “ضرورة التنفيذ”. أراد أن يطبّق رؤيته للمرحلة المقبلة بإسقاط نيابي على الحكومة. يجد رجل عين التينة نفسه مستعدًا لفعل أي شيء لتلافي شلل مجلسه ولإرضاء هيبته التشريعية. ربما يراهن على سأم عون من كلّ هذه المعمعة، وربما لا يعرف شيئًا عن حليفه وغريمه في آن. أما الرهان الوحيد فيبقى على هامش مغامرة سلام للحفاظ على حكومته، بشبه عهدٍ قطعه على التيار والجميع بالارتقاء بتصويتٍ إجماعي لا بأكثرية مطلقة أو بأرقام لن يحاسبه عليها الدستور الغامض غموض المرحلة المقبلة...