كشفت "الأخبار" تفاصيل عملية لا تزال مستمرة، نتيجتها إهدار نحو 30 مليون دولار أميركي، في ​وزارة الاتصالات​، أنفق جزء منها ويجري العمل على إنفاق الجزء الآخر، من دون أي مردود للمصلحة العامة أو لخزينة الدولة، ولا حتى لمجموعة صغيرة من المواطنين. حيث وقّعت شركة "تاتش" عقداً مع صاحب مبنى "كاسابيان" في منطقة الشياح العقارية، لاستئجار عقاره لمدة عشر سنوات، مقابل مبلغ مالي يصل إلى نحو 2.2 مليون دولار سنوياً. قبل توقيع العقد، طلب وزير الاتصالات (حينها) نقولا صحناوي من الشركة التفاوض مع مالك العقار لخفض قيمة البدل الذي يطلبه. تم ذلك، وخُفِّض المبلغ بنسبة تصل إلى نحو 50 في المئة. بذلك، باتت كلفة الاستئجار مساوية إلى حدّ ما لما تدفعه "تاتش" لقاء استئجارها مبنيين لإدارتها العامة في منطقة مار مخايل النهر، علماً بأن مساحة المبنى الجديد تفوق مساحة المبنيين اللذين تشغلهما الشركة حالياً".

وبمراجعة لوثائق القضية، تبيّن أن المبنى المستأجر كان في حاجة إلى تدعيم وصيانة، بناءً على الكشف الذي أجرته "دار الهندسة". وتبلغ قيمة الأعمال اللازمة لذلك نحو مليون ونصف مليون دولار. دخلت الشركة في مفاوضات مع المالك مجدداً، وتوصلت إلى اتفاق معه يتحمل بموجبه مبلغ 700 ألف دولار من قيمة التصليحات، على أن يمدّد عقد الإيجار ستة أشهر مجاناً.

مرّ نحو 16 شهراً من مدة العقد. وفي شباط 2014، طلبت الشركة من الوزارة صرف 10 ملايين دولار أميركي، بدل أشغال كهربائية وميكانيكية وهندسية، تتضمن تجهيز المبنى من النواحي التقنية واللوجستية ليكون مقراً رئيسياً لشركة اتصالات خلوية. في ذلك الوقت، كانت فترة تصريف الأعمال على وشك الانتهاء، فرفض الوزير الصحناوي صرف المبلغ، علماً بأن الشركة أكّدت للوزارة أن هذا المبلغ سيُدفع في مطلق الاحوال عند تنفيذ عملية نقل مقر الشركة إلى أي مبنى جديد، لافتة إلى أن هذا المبلغ ملحوظ في الملف الأولي لعملية الانتقال.

بعد تسلم الوزير ​بطرس حرب​ الوزارة بنحو شهرين، طلب من مسؤولي "تاتش" فسخ عقد الإيجار. كانت الصفقة قد دخلت عامها الثاني، مع ضمان المالك حصوله على بدل إيجار ثلاث سنوات، إضافة إلى كلفة تأهيل المبنى. نَصَح حرب الشركة بالتوصل إلى اتفاق حبّي مع المالك. وتبيّن خلال الأشهر الماضية أن كلفة اتفاق كهذا لن تكون أقل من 10 ملايين دولار. خلاصة الأمر أن تكلفة العملية ستبلغ في نهاية المطاف نحو عشرين مليون دولار أميركي، أهدِرَت من المال العام، علماً بأن الشركة تدفع بشكل مواز بدل إشغالها لمقرها الحالي.

وعندما سألت "الأخبار" مصادر الوزير حرب عن هذه القضية، نفت في البداية وجود المبنى من أساسه! ثم عادت وأقرّت بالقضية، متحدّثة عن أن المشكلة هي في حالة المبنى نفسه. لكن مصادر في وزارة الاتصالات أكّدت لـ"الأخبار" أن حرب أبلغ فريق عمله وإدارة "تاتش" رفض نقل مقرها إلى منطقة الشياح، لأسباب أمنية، متذرعاً بأن المقر الجديد للشركة سيكون "تحت رحمة حزب الله". وعندما قيل له إن المبنى المستأجر لا يبعد سوى مئات الامتار عن مبنى شركة "ألفا"، أجاب بأن مبنى "ألفا" يقع "في عمق المناطق المسيحية"، وأن مبنى كاسابيان أقرب منه إلى الضاحية الجنوبية".