على الرغم من التعليقات المتعددة التي صدرت عن معظم أركانها، لا تعطي قوى الرابع عشر من آذار أهمية لوجود القوات الروسية على الأرض السورية، لا سيما على صعيد الإنعكاسات على الأوضاع اللبنانية، فهي مقتنعة بعدم وجود تبدّلات، في مشهد منطقة الشرق الأوسط، خلال وقت قصير، وفي حال حصولها فإن بيروت ستبقى بعيدة عنها، نظراً لعدة اعتبارات مرتبطة بالتوازنات السعودية الإيرانية بشكل أساسي.

من هذا المنطلق، تنقسم التعليقات والمواقف من الضربات الجوية الروسية، بين الخبراء الإستراتيجيين والمعلقين السياسيين في فريق قوى الرابع عشر من آذار، الفريق الأول يعتبر أن موسكو ستغرق في مواجهة مفتوحة مع الحركات والمنظمات الإرهابية، ولن تستطيع الخروج منها رابحة بأي شكل من الأشكال، بل هي ترى أن مشهد الحرب الأفغانية أيام الإتحاد السوفياتي سيتكرر، في حين يكرر الفريق الثاني بعض العبارات الرومانسية، من إستهداف المدنيين في الغارات، إلى حتمية إنتصار إرادة الشعوب في نهاية المطاف.

وفي حين لم تجتمع الأمانة العامة لهذا الفريق منذ أسابيع عدة، من دون توضيح الأسباب الفعلية، تؤكد مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن النظرة إلى التدخل الروسي في سوريا شبه موحدة، وهي نابعة من الإلتزام بالرؤية الغربية والعربية القلقة مما يحصل، على إعتبار أن الهدف منه دعم النظام السوري بقيادة ​بشار الأسد​، والقضاء على قوى المعارضة، تحت عنوان ​مكافحة الإرهاب​، بينما المعطيات تؤكد أن حصة تنظيم "داعش" الإرهابي من الغارات التي نفذت قليلة جداً، بالمقارنة مع تلك التي استهدفت كتائب وفصائل أخرى.

وتشير هذه المصادر إلى أن فريقها السياسي يعتبر أن محاربة الإرهاب لا يجب أن تكون من خلال إعادة الرئيس السوري إلى الواجهة من جديد، عبر القول أن لا بديل عنه، خصوصاً أن ممارسته هي من الأسباب التي أدت إلى بروز التنظيمات المتطرفة، وتلفت إلى أن الإنتصار في هذه المعركة لا يمكن أن يكون إلا عبر دعم الشعب السوري لها، بينما هو لا يعتبر نفسه معنيًا بها، بل على العكس من ذلك يرى أن قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسلحة "محتلة"، بسبب عدم إحترامها إرادته بالحرية وبناء دولة مدنية لا يكون فيها مكان لبشار الأسد.

عند هذه الخطوط العريضة، تضع مصادر قوى الرابع عشر من آذار رؤيتها لما يحصل على الساحة السورية من تحولات، وتشدد على أن هذا لا يعني رغبة منها بالتدخل في ما يحصل، بل هي تلتزم بما يقرره الشعب السوري، الذي عبر في أكثر من مناسبة عن مواقفه الواضحة من الإرهاب والنظام معاً، وتدعو القوى اللبنانية التي لا تزال تربط مصيرها بما يجري خارج الحدود إلى العودة إلى الداخل بأسرع وقت، من أجل الإتفاق على ملامح المرحلة المقبلة داخلياً، بدل انتظار التسويات الدولية، التي لن يكون بمقدر اللبنانيين التأثير بها.

بالنسبة إلى هذه المصادر، لا مكان لبيروت على جدول أعمال الدول الكبرى في هذه المرحلة الدقيقة، حيث الجميع منشغل في الملفات الأكثر أهمية بالنسبة إليه، من سوريا إلى اليمن وصولاً إلى مصر و​العراق​ وليبيا، وبالتالي لا يمكن توقع أي إنفراجات على صعيد الأزمة الرئاسية، بالرغم من الجهود التي تحاول بعض الجهات الأوروبية القيام بها بالتنسيق مع الفاتيكان، قبل أن يقتنع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون أن التوافق على إنتخابه غير ممكن، وبالتالي عليه أن يقدم المصلحة الوطنية على مصالحه الشخصية، لانتخاب رئيس توافقي يعيد الحركة إلى المؤسسات الدستورية المختلفة.

وفي وقتٍ تطرح الكثير من السيناريوهات عن الدور الروسي في الملف الرئاسي اللبناني، تشدد هذه المصادر على أن موسكو لا تملك فعلياً إلا الدعوة إلى إنجاز الإستحقاق الرئاسي، لكنها لا تملك القدرة على التأثير في مواقف الأقطاب المحليين، ولا ترى أنها تطمح إلى لعب دور من هذا النوع، نظراً إلى أن لبنان، بالنسبة لها ليس بأهمية سوريا التي تربطها بها علاقة تاريخية معروفة، وتضيف: "لا داعي لبناء تكهنات بعيدة عن الواقع، فالمعادلات واضحة، وبيروت لن تكون من جديد في وحدة مسار ومصير مع دمشق".

في الختام، تدعو هذه المصادر إلى إنتظار ما ستؤول إليه الضربات الجوية الروسية، التي تعتبر أنها لن تستطيع تحقيق أي إنجاز على المستوى السياسي، لكنها تشدد على أن مفتاح الحل اللبناني يكمن بإقتناع "حزب الله" بأهمية التسوية المحلية، بدل إنتظار التسوية الشاملة على مستوى المنطقة.