ليتخيّل اللبنانيون كيف كانت ردة فعل رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ وهو يستمع الى كلام عضو المكتب السياسي في تيار "المردة" فيرا يمّين ضد رئيس حزب "التوحيد" ​وئام وهاب​. للبنانيين ان يتخيلوا كيف تصرف "الحكيم" وهو يقرأ تغريدات وهاب على "تويتر" ضد "المردة". ليتخيل المرء ضحكات جعجع. ربما كان فكّر بالتغريد لدعم رئيس "التوحيد"، او ربما راودته فكرة الاتصال به مشجّعاً، لو لم يكن اتصل به قبل أيام. لكن لماذا يتدخل "الحكيم" الآن؟ هو يكتفي بالتفرج من معراب على تصريح ضد وهاب، وتغريدات ضد رئيس "المردة"، وتخبط فريق "الثامن من آذار" في ترشيحين لرئاسة الجمهورية.

يرصد "الحكيم" طيلة الوقت ما يجري من تهجّمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، او تأتيه التقارير الإعلامية حول انشغال فريق "​8 آذار​" بنزاعاته الداخلية. يترقب الحملات السياسية حول الوظائف وحصة المسيحيين، وحين يشرح وزير المالية ​علي حسن خليل​ للرأي العام حقيقة ما يجري، يوعز جعجع لنائب "القوات" ​فادي كرم​ بالتدخل كي لا يتفرد "التيار الوطني الحر" برفع السقف.

من بعد تفاهم معراب لا استئثار لـ"التيار" بأي قرار، لأن "القوات" أم الصبي في رفع شعارات حقوق "المجتمع المسيحي". رغم ان "الحكيم" اصبح الاكثر حنكة سياسياً ومدّ الخطوط على مساحة الوطن، فهو بالمقابل لم يقطع شعرة ولا أقفل قناة تواصل مع آحد. هو ارسل النائب ​جورج عدوان​ الى عين التينة في عز احتدام الردود بينه ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.

سخونة المشهد تحت عنوان "الحقوق المسيحية" قد تخدم سياسة "الحكيم"، سواء للوصول الى زيادة رصيد "القوات" مسيحياً، او لزيادة الشرخ بين قوى تنضوي في حلف "8 آذار". اساساً كان "الحكيم" يعتمد قبل التوافق مع "التيار" سياسة الزكزكة تجاه الرابية، من خلال مغازلة بري علناً، كلما أراد الحركشة بالجنرال .

تخيّلوا ما هو تصرف "الحكيم" حين يسمع عن إزدياد الانقسام الشعبي بين مؤيدي فرنجية وعون. تأتيه الأنباء عن تباين "جمهور المقاومة" إزاء المرشحين. للمرء أن يتخيل ردة فعل جعجع وهو يترقب قوى "8 آذار" تضيّع فرصتها التاريخية بإختيار رئيس من صفوفها، فتنقسم تلك القوى على نفسها. كان من المفترض ان يكون هذا الفريق يهلّل "لانتصاراته الاستراتيجية" من الميدان السوري الذي يسجّل الانجازات العسكرية لمصلحة الجيش ضد المسلحين، كما بدا في ريف حلب للاطلالة على الحدود مع تركيا وافشال مخطط "دويلة المعارضة"، الى وقوف روسيا الاتحادية الى جانب خياره عسكرياً حتى انهاء "جبهة النصرة" و تنظيم "داعش" كما قالت موسكو، وسياسياً كما بدا في إخفاق المعارضة في جنيف الى حد الانسحاب الضمني من المفاوضات وتعطيل المسار الدبلوماسي.

كان من المفترض ان يتهيّأ فريق "8 آذار" لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي، ليترجم تفوق خياره الاستراتيجي من دمشق الى طهران. لكن الفريق يتلهّى ببعضه. يزور وهّاب رئيس حركة "الاستقلال" ميشال معوّض ويغازل جعجع نكاية بفرنجية. ولا يكترث "المردة" لوجود وهّاب مراعاة للحليف الأمير طلال ارسلان. انها تفاصيل داخلية محدودة لكنها تُلهي "8 آذار".

للبنانيين ان يتخيلوا ماذا يقول "الحكيم" في معراب وهو يترقّب تشتت قوى "8 آذار" التي كانت موحّدة ضد خيارات "القوات" السياسية منذ ما قبل قصة "14 آذار"، أي خيارات الحرب والسلم والجغرافية والديمغرافية. بالطبع مَحَت الانقسامات الداخلية في الصف الواحد هذا المشهد. لا بأس. لِمَ لا؟ في السياسة كل شيء قابل للتغيير. "الجنرال" كان سابقاً بعيداً عن خيارات "خط المقاومة" والحلف مع سوريا، يومها كان فرنجية يرث من ابيه وجده تلك الخيارات ويمضي بها حتى الآن. لماذا لا يتغير المفهوم إزاء "الحكيم" كما تغير مفهوم عون بعد التفاهم مع "حزب الله"؟! فهل يلعب وهاب دور الوسيط مع معراب؟

للمرء أن يتخيل رئيس "التوحيد" الى جانب رئيس "القوات" في مرحلة الاعداد لتفاهم بين الحزبين. عندما سُئل وهاب بعد اتصال جعجع به: هل هو حليف الحليف؟ ضحك راضياً بالتوصيف.

بالعودة الى السنوات الماضية، كان نجم وهّاب سطع في صفوف المناصرين لخط المقاومة. بعد تغريداته ضد فرنجية، تعرض وهاب لأول مرة لانتقاد على مواقع "التواصل الاجتماعي" من قبل هذا الجمهور الذي عبّر عن انزعاج من استهداف زعيم "المردة". بالنسبة اليهم فرنجية "نور العين" يرتاحون اليه ولصراحته والتزاماته. الجمهور نفسه أحبّ وهاب لمواقفه. ونفس الجمهور لم يستسغ تقبل التحالف مع جعجع لاعتبارات لها علاقة بالأبعاد السياسية الاستراتيجية.

تخيلوا "الحكيم" وهو يرصد تلك المعادلة. سيضحك بالطبع، لأن هناك من يخوض معاركه عنه، بينما هو يتفرج من فوق ويتسلى بالجميع، ويتقبل بذات الوقت الهدايا من قوى "8 آذار".