كان «هم» سعد الحريري قبل عودته الاخيرة الى لبنان اعادة تنظيم وكودرة تياره وقد ترامى اليه في مقر اقامته الباريسية ان تياره بدأ بالتراجع والاحتضار واصابه الضمور، فوضع الحريري في صلب اولوياته بعد العودة استنهاض تياره وتصحيح ما افسده الغياب عن الساحة السياسية، فراح الحريري يطلق الشعارات ويجول في المناطق استعداداً للانتخابات البلدية لتعبئة الجماهير التي تبين فيما بعد عندما حصلت الانتخابات انها سدت آذانها ولم تعد تريد سماع ما يقوله زعيم المستقبل بذرائع واسباب مختلفة، وجاءت الضربة القاضية التي وجهتها الانتخابات البلدية لتصيب التيار الأزرق مقتلاً، وتعيده عشرات السنوات الى الوراء بعد الخسارات المدوية في طرابلس وزحلة وبيروت وبالتالي اصبحت اولويات الحريري اليوم ومسؤولياته اكبر تقول مصادر في المستقبل لاعادة تجميع وتنظيم صفوفه، فعودة الحريري الى لبنان في ميزان قوى سياسية لم تثمر في تحقيق الاختراقات التي ارادها زعيم المستقبل على صعيد الملف الرئاسي كما في الملفات الاخرى المتعلقة بالاستحقاقات الاخرى من لم شمل تيار المستقبل والتحضير جيداً للفوز في الانتخابات البلدية، فالحريري نجح في بعض الاحيان وفشل في احيان اخرى.

استطاع الحريري ان يخطب في جمهور 14 آذار وان يعيد احياء عصب هذا الجمهور الميت منذ فترة تضيف المصادر، وصالح زعيم المستقبل قيادات سنية كان متخاصماً معها في طرابلس والبقاع ذات حضور وعصب سني من اجل الانتخابات البلدية لكنه سقط في الانتخابات البلدية، وكذلك لم يوفق في المحافظة على قيادات في المستقبل لها حجمها التمثيلي فحصل الاستغناء والتخلي عن وزير العدل الذي كان اشرس المستقبليين غير المتهاونين في ملفات 14 آذار، وكرس معادلة الافتراق عن الحليف المسيحي في معراب الذي اهانه الحريري في مزحة سمجة في احتفال البيال ليطلق ثنائية «سامي وسعد بدلاً عن سعد وسمير». عودة الحريري حفلت بالخيبات خيبة اخرى، فالملف الرئاسي الذي وعد بحله بقي عالقاً، وشارك الحريري في جلسات الانتخاب التي غاب عنها المرشح المفترض الذي التزم بقرار حليفه في الضاحية لا بل ذهب فرنجية عندما اشتدت الهجمة على حزب الله الى الاصطفاف مجدداً حيث يجب بعد تصنيف حزب الله خليجياً بالارهابي. وباختصار فان عودة الحريري كان يمكن ان تكون افضل وتنتج تحسناً وتطوراً في الاحداث لكن تصعيد السعودية والحرب التي فتحتها بدون هوادة على حزب الله وسحب الهبة المالية العسكرية للجيش اربكت الحريري في خطواته فتعثر عشرات المرات لبنانياً.

الواضح ان الحريري واجه صعوبات داخل فريقه بحسب المصادر، وليس سراً ان الحريري الذي يستطيع ان يلم تيار المستقبل بمجرد استدارة منه او التفاتة وقف امام مشكلة تفلت قيادييه، فبعد النائب خالد الضاهر برزت حالة أشرف ريفي التي شكلت عبئاً على الحريري اضافة الى مشكلة القيادات في المستقبل التي تدور في فلك الرئيس السنيورة، فصراع الأجنحة داخل تيار المستقبل بات حقيقة وواقعاً لا يمكن تجاهله، وليس من نسج الخيال او الاقلام، فقضية رئيس أوجيرو عبد المنعم يوسف كشفت جزءاً من هذا الصراع وبعض أوجهه.

كثرت مشاكل التيار الأزرق مع قياداته، سبق للمستقبل ان تخلى عن كثيرين وهمش آخرين، فالنائب خالد الضاهر بمشاكله التي تخطت الحدود مع المؤسسة العسكرية والقيادات المسيحية أزعج المستقبل الذي فصله ليلتجىء الضاهر الى الرابية ويرشح رئيس الاصلاح والتغيير للرئاسة، ووزير العدل أشرف ريفي تمرد على قرار الحريري على خلفية قضية ميشال سماحة فكان القرار بالاستقلالية بعد ان اعلن الحريري انه لا يمثله، وحصلت الانتكاسة الكبرى باجتياح اللائحة التي دعمها الحريري لطرابلس، ولو ان موقف الحريري الذي رفع فيه الغطاء التمثيلي عن وزير العدل له بنظر كثيرين حسابات داخلية ايضاً داخل المستقبل، فسبق لأحمد الحريري ان صرح ان لا صوت يعلو فوق صوت الشيخ وهذه الرسالة كانت موجهة بالدرجة الاولى الى القيادات في المستقبل التي اعترضت على قرار ترشيح فرنجية.

ومن التراكمات والمسببات ايضاً تضيف المصادر، ان ريفي كبر حجمه داخل المستقبل وبات يشكل رقماً صعباً في المستقبل وفي المعادلة الطرابلسية وعلى الساحة السنية لا يجوز السماح بنموها اكثر.

وثمة قطبة مخفية اليوم يتحدث عنها العارفون في التعاطي مع السنيورة الذي كبر حجمه مستقبلياً وبات يمثل حالة خاصة بمواقفه السياسية المختلفة عما يقرره زعيم المستقبل في السياسة، وحيث ان السنيورة وضع جانباً في الانتخابات البلدية في صيدا التي أوكلت انتخاباتها الى السيدة بهية، وبذلك كما تقول المصادر فان التوجه واضح لدى الحريري بشدشدة تياره والامساك وحده بمفاصل القرار واسكات الاصوات التي تنشذ داخل التيار، وضبط ايقاع المخالفين والمتمردين حيث ان الحريري لم يعد يحتمل المشاكسين في تياره بعد ان تمادى كل من ريفي والضاهر والسنيورة وخرجوا عن بيت الطاعة، فالواضح ان الحريري جاد في المحاسبة والمساءلة بعد مسلسل الانتكاسات المتمادية.

الاطلالة الرمضانية الاولى للحريري كانت كافية بتقديم مراجعة عن الاخطاء تقول المصادر، وباقرار واستعداد لتحمل المسؤولية وبانه سيفتح الدفاتر وهذه العبارة كشفت المستور الذي يخبئه الحريري ولها دلالاتها بان زعيم المستقبل يدرك اخطاءه وما ارتكبه من فاولات وبان فتح الدفاتر موجه الى المخلين بالنظام والمتآمرين على التيار الأزرق، واذا كانت الانظار تتجه اولا الى من خرجت الخلافات معهم الى العلن على غرار اللواء اشرف ريفي فان المستور من المخالفين ربما يكون اكبر واشمل. فاذا كانت محاسبة ريفي غير مطروحة بقوة كونه عملياً صار خارج التيار الأزرق فان المحاسبة ستطيح بكثيرين وترفع من مستوى آخرين، وهذا ما ستكون عليه الحال في المؤتمر التنظيمي في ايلول المقبل الذي كان من المفترض انعقاده قبل الانتخابات البلدية وحالت الاوضاع المادية للتيار الازرق دون عقده في ذلك الوقت لأن الحريري بدا غير قادر على تقديم رؤية واضحة واستراتيجية قوية في ظل ازمته المادية. وعليه فان المؤتمر الذي سيسبقه سلسة مواقف تمهيدية وخطوات من قبل الحريري ستنتج عنه مقررات تشمل تغييرات في مواقع مسؤولين وقيادات لم تثبت فعاليته وقوتها ولم تقدم حلولاً لتراجع المستقبل والضمور الذي اصابه.