حين يحط الجنرال جاسبر جيفرز، رئيس هيئة المراقبة الدولية المشرفة على تطبيق وقف الاعمال العدائية بين لبنان واسرائيل في بيروت، سيصل الى ارض لا تزال غير مستقرة دبلوماسياً وسياسياً وحتى عسكرياً، وسيجد لبنان الرسمي والشعبي ينتظر منه، أو بالأحرى من القوى التي يمثلها، جواباً حاسماً على الدور الأميركي والفرنسي وباقي العالم على ضرب اسرائيل عرض الحائط بالاتفاق وبنوده، وخرقه ساعة تشاء وتحت أي ذريعة، وضرب الضاحية الجنوبية لبيروت في أي توقيت تريده.
ولا شك ان جيفرز سيسمع من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ومن رئيس الحكومة نواف سلام، خطابًا متناسقًا: إسرائيل خرقت الاتفاق بضربها الضاحية الجنوبية لبيروت قبل يومين، وهو خرق من شأنه تعريض كل الجهود المبذولة لوضع التغييرات المطلوبة، وبالتحديد من واشنطن وباريس، موضع التنفيذ. وسيُطلب من جيفرز، كما طُلب من مورغان اورتاغوس (نائبة مبعوث الرئيس الأميركي الى الشرق الأوسط) قبله، الإجابة على تنامي "الوقاحة" الإسرائيلية و"غض النظر" الدولي عنها.
مع جيفرز قد يختلف الوضع، لانه وفق مصادر دبلوماسية، فإن جواب اورتاغوس كان المماطلة والتهرّب بشكل دبلوماسي حيناً و"فظ" احياناً، اذ كان يُطلب من لبنان إما التمهل والتروي قليلاً لان الضغوط الأميركية على إسرائيل قائمة انما بشكل متدرج، وإما الطلب من بيروت العمل الفوري على نزع السلاح بالكامل. ولكن، هذا الامر يضع عون وسلام على حد سواء، في موقف حرج جداً، علماً انهما يحظيان بدعم أميركي وفرنسي ودولي، وهذا يعني انه يجب تسليفهما، وخصوصاً رئيس الجمهورية الذي أدى دوره بشكل كامل، بعد الدعم العملي الفعلي، لا الكلامي، للاستمرار. وبالتالي، المطلوب من إسرائيل، كما ينص الاتفاق، الانسحاب من النقاط الحدودية الخمس، وتسليم الأسرى اللبنانيين الذين تحتجزهم، تمهيدًا لمرحلة جديدة من الاستقرار. هذا ما يريده لبنان الرسمي، وهذا ما بات يعتبره رئيس الجمهورية "ورقة قوة" قادرة على تغيير المعادلة داخليًا.
وهنا، نعود الى المعضلة الحقيقية: من يخطو الخطوة الأولى نحو التطبيق الكامل للاتفاق؟ أهي إسرائيل بانسحابها وتحريرها للأسرى، أم "حزب الله" بتسليم سلاحه الثقيل للدولة اللبنانية؟ هذه الجدلية، المعروفة بـ"الدجاجة والبيضة"، تعكس حقيقة التشابك الدبلوماسي والسياسي الداخلي. لكن المتغير الكبير منذ حرب 2024 هو أن السلاح الذي يحتفظ به الحزب لم يعد يشكل خطرًا مباشراً على إسرائيل كما في السابق، ليس فقط بفعل التطورات العسكرية، بل نتيجة التوازنات الإقليمية الجديدة. هذه النقطة تعطي دفعة قوية للرئيس عون الذي يطمح إلى إنهاء الملف تدريجياً، ضمن تفاهم دولي، يبدأ بانسحاب إسرائيلي مشروط يُظهر حسن النية، ما يسمح له بتكثيف الضغط السياسي المحلي لتسريع ملف تسليم السلاح.
ففي حسابات رئيس الجمهورية، تسليم السلاح ليس هدفًا دعائيًا بل أداة لبناء الدولة. لكن هذا المسار لا يمكن أن ينطلق من دون خطوات إسرائيلية ملموسة، تُظهر للمجتمع الدولي أن بيروت ليست الطرف المعرقل. ومن المنطقي والطبيعي القول ان الجنرال الأميركي سيقف عاجزاً عن تحديد أي إجابة على هذا السؤال، لعلمه ان الامر متعلق بصراع دبلوماسي اكبر منه بكثير، وان جلّ ما يمكنه فعله هو الإشادة بالخطوات والتدابير والاجراءات التي اتخذها ويتخذها الجيش اللبناني لتطبيق الاتفاق، وهو امر للأسف، لن يقدّم ولن يؤخّر في الوضع الميداني الذي بات يطلق يد إسرائيل للعمل كيفما تشا، وفي الوقت الذي تريده، من دون التخوف من أي عواقب.
زيارة جيفرز لن تكون ناجحة لانه سيكون مجرد شاهد لا قدرة له على الضغط، فيما كان يجب عليه أن يضع ملفًا دقيقًا على طاولة مجلس الأمن يسأل فيه القوى الدولية عن رغبتها ومدى جديتها في تثبيت السلم في لبنان، أم أنها لا تزال تتعامل معه كمساحة للانتظار؟.