»ملعون في دين الرحمن من يسجن شعباً، من يخنق فكراً، من يرفع سواطاً، من يُسكت رأياً (...) ملعون في الأديان كلها من يهدر حق الإنسان حتى لو صلّى أو زكّى أو عاش العمر مع القرآن«.

هذا الكلام الكبير هو للمفكر الإسلامي الألمعي جمال الدين الأفغاني الذي لا تزال أقواله تتردد على شفاه وألسنة المثقفين ليس في البلدان الإسلامية وحدها، بل في أنحاء عديدة من العالم. وهي أقوال ترجمت إلى جميع اللغات الحيّة. وهو القائل: »صورة الإسلام من صورة المنتسبين إليه«. والقائل أيضاً: »لا أمة بدون أخلاق، ولا أخلاق بدون عقيدة، ولا عقيدة بدون فهم«.

وجمال الدين هو أفغاني واعُتبر أحد أهم الأعلام البارزين في النهضة المصرية في القرن التاسع عشر (ولد في العام 1838 في أسعد أباد في أفغانستان وتوفي في العام 1897 في الآستانة - تركيا)، وهو من أهم أعلام الفكر الإسلامي التجديديين والشيخ محمد عبده أحد أبرز الذين تتلمذوا عليه (...) وتنقل بين أفغانستان ومصر والهند وتركيا (...).

ولسنا في مجال البحث في سيرة هذا المفكر الإسلامي الكبير المتجدّد، فقط أردنا أن نستعيد بعضاً من أقواله لنقول: أين كنا وأين أصبحنا إنطلاقاً من الأحداث المأساوية العاصفة بالمسلمين وبلدانهم، ومن الفكر الإرهابي المتمدّد في بلدان المعمورة والذي بموجبه يحوّل هذا الفرد من الناس أو ذاك نفسه حاكماً بأمر اللّه، يدين الناس فيعاقبهم على معتقداتهم الدينية والإنسانية - الإجتماعية، فيصدر أحكام الإعدام وينفذها بأبشع الوسائل، فيقتل الأفراد والجماعات.

أليس هذا ما فعله »الأفغاني« عمر متين فأزهق أرواح نحو خمسين شخصاً وأصاب نحو خمسين آخرين بجراح بعضها شديد الخطورة، وذلك كلّه بإسم الدين وإنزالاً للعقوبات المزعومة إلهية في حق جماعة كبيرة من المثليين في أورلاندو الأميركية.

بداية نود أن نبادر الى القول اننا على صعيد شخصي لا نقر الحياة المثلية... ومن هذا الموقع الشخصي نرى أن الحياة من دون المرأة (بالنسبة الى الرجل) لا قيمة لها ولا جمال فيها، ولا حتى لمسة حنان، وهي لا تستحق أن تحيا... سقنا ما تقدم لنؤكد على أننا لا نقر المثلية، ولكننا في الوقت ذاته لا ندين المثليين. فحياتهم الشخصية بينهم وبين ربّهم. وعسانا، في هذا السياق نقتدي بقداسة البابا فرنسيس الأول الذي قال حرفياً: »من أنا لكي أدين المثليين«؟.

ثم إن هذه الأمة عرفت فصولاً لا حدود لها من المثلية. فلم نسمع أنّ أحداً (حاكماً أو من عامة الشعب) أنزل أي نوع من أنواع العقاب (أو طبّق أي حد) على أبو نواس الذي له في المثلية (الذكورية) قصائد إيجابية... ولم يتناهَ إلينا أنّ كبير أدباء اللغة العربية قاطبة، الجاحظ، قد اضطهده أحدٌ عندما أصدر كتاب »مفاخرة الجواري والغلمان«... وكذلك، في هذه الأمة »غلمان« دخلوا التاريخ وأسروا القلوب وحكموا أصحاب القرار وتلاعبوا بعواطفهم... ولم ينصّب أحد نفسه إلها وينزل بهم عقاب القتل الجماعي خصوصاً وأنهم كانوا يلهبون مشاعر الخلفاء كما فعل الغلام »كوثر« الذي كان يتحكم بالخليفة الأمين بن هارون الرشيد، وكذلك »مهج الذي أسر قلب الخليفة العباسي الواثق... والأمين كان »يرفض النساء والجواري«، أما الواثق فكان »يتنقل من غلام الى آخر وهام عشقاً بالصبيان والغلمان حتى ملكوا عليه وجدانه وأذابوا مشاعره توَلُّهاً وصبابة«.

وقد نعود الى بعض تفاصيل عشق الخلفاء للغلمان...