تمكنت مواقع التواصل الاجتماعي من تشكيل حيز مهم لدى كل مستخدميها، حيث انها اصبحت منبرا للتعبير عن الآراء ووجهات النظر حول مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية، وفسحت المجال امام المستخدمين للتعبير عن شخصياتهم واحاسيسهم عبر منشوراتهم الالكترونية، والمساهمة ببقاء التواصل حيا بين المغتربين ووطنهم الام.

تتميز مواقع التواصل في كونها عابرة للقارات، ولا حدود جغرافية لها، وهذه الميزة مكّنت المغتربين من تعزيز الروابط الاجتماعية بين بعضهم البعض في مكان تواجدهم ومع ابناء بيئتهم التي نشؤوا فيها، فعلى الصعيد العائلي الاجتماعي أصبح بإمكان المغترب المشاركة في المناسبات الإجتماعية ضمن عائلته سواء كانت افراحا ام احزانا، عبر الصور ومقاطع الفيديو وغير ذلك من المنشورات، دون الحاجة لكي يتواجد جسديا في موقع الحدث. كذلك على الصعيد السياسي، اذ أصبح بإمكان مستخدمي مواقع التواصل مواكبة الاحداث والتطورات التي تحدث في وطنهم الأم والتعبير عن وجهات النظر حولها من خارج الحدود المحلية، وبذلك تكون قد ساهمت بتحقيق الاندماج الاجتماعي للفرد من مكان تواجده في بلاد الإغتراب، واختصرت المسافات امامه وكأنه لا يزال في احضان بيئته.

إن هذا التقارب بين "القرى العالمية" عبر الانترنت، وانتقال "الوطن" لاسلكيا الى حاسوب وهاتف المغترب، جعل للبنانيين المغتربين في البرازيل "مختارا" ولو من دون اجراء انتخابات اختيارية، أو على الاقل هذا ما أطلقه ​حسين نعمة​ على نفسه على مواقع التواصل. ويؤكد "مختار المغتربين" وهو أحد اللبنانيين الموجودين في البرازيل منذ مدة طويلة، في حديث لـ"النشرة"، "أن علاقة المغترب مع مواقع التواصل أصبحت علاقة وطيدة خصوصا بعد العام 2008، أي بعد تطور هذا القطاع وانتشاره"، مشيراً الى "انني أستخدم صفحاتي الالكترونية في كل دقيقة فراغ، فأبقى مواكبا من باب الحشرية لكل ما يحدث في لبنان على مختلف الأصعدة حتى لو لم أشارك شيئا مع المتابعين الموجودين على صفحاتي".

يهتم كثيرون بحصد "الشهرة" على مواقع التواصل، فيسعون لأن يكونوا أبطالا في عالم افتراضي واسع، ولكن بالنسبة للمغترب فالأمر مختلف، والهدف أبعد من "كمية اعجاب وتعليقات". وهنا يوضح نعمة أن "من يعيش في الغربة لا تعنيه الشهرة كما لو كان في بلده لأنه اذا نزل الى الشارع لن يعرفه أهل البلد لأنه غريب، عكس اللبناني الذي يعيش في بيئته، اضافة الى ذلك نحن أتينا لنعمل وليس لنحقق شهرة وبطولات وهمية، وبالتالي فإن استعمالنا لمواقع التواصل هدفه الاندماج نفسيا واجتماعيا بعض الشيء مع بيئتنا"، لافتا الى أن "هذه المواقع ساهمت أيضا ببناء شبكة معارف بينه وبين عدد كبير من المغتربين اللبنانيين في البرازيل، الأمر الذي كسر حدة شعورهم بالغربة، وجعله يحمل لقب مختار المغتربين". كما نعمة كذلك طالب العلم المغترب في فرنسا ​علي برو​، الذي يؤكد لـ"النشرة" أنه عقب سفره أصبح أكثر مواظبة على استعمال مواقع التواصل مما كان عليه في لبنان، موضحا أنه "بوجودها لا أشعر بالغربة بل وكأنني في وطني ومع أصدقائي".

وفي نفس السياق، يرى الاعلامي والخبير في وسائل التواصل الإجتماعي ​أمين أبو يحيى​ أن "اللبناني جعل من مواقع التواصل جزءا مهما من حياته اليومية، وهي ترافقه من بداية نهاره حتى نهايته"، معتبراً ان "الشعب اللبناني مميز عن باقي شعوب العالم في التعاطي مع وسائل التواصل الإجتماعي". ويشير أبو يحيى في حديث لـ"النشرة"، الى أن مواقع التواصل أصبحت بالنسبة للبناني نافذة للاطلاع على ما يدور حوله وما يحصل معه، ماذا أكل وشرب ولبس، وحتى ماذا يشعر، أما بالنسبة للمغترب، فإنه عندما يرى صورا أو منشورات لأصدقائه وأقاربه، فإنه عبر تعليقه عليها أو مشاركتها ينسى المسافة ويشعر بالإنتماء لهذا الجو بل ويشعر أنه لا زال في مجتمعه، ويزول شعوره بالغربة، لأنه يرى الأحداث والمتغيرات عبر هذه النافذة التي كرستها مواقع التواصل، وبالتالي يبقى المغترب مندمجا مع أبناء مجتمعه، ومحافظا على علاقته بهم رغم بعد المسافات.

يعاني المغتربون في بعض الدول كما أهل البلد من "قسوة" السلطة بالتعاطي مع "حريتهم"، فيصبح اللبناني المغترب محتاطا لما يكتبه او ينشره خوفا من ملاحقة المعنيين له حتى ولو لم تكن منشوراته على علاقة بسياسة البلد الذي يعيش فيه، ولكن على صعيد تعامل السلطة البرازيلية مع مستخدمي مواقع التواصل، يلفت نعمة النظر الى "أن هناك احتراماً للآراء من قبل السلطة، حيث انها تسمح لنا بالتعبير عن آرائنا السياسية المتعلقة في لبنان والدينية التي تخصنا، لكن لا تسمح لأي مقيم بالتطاول على تراث البرازيل ومعتقداتها وثقافتها، ومن يفعل ذلك هو معرض للعقاب". وبحسب برو، فإنه في فرنسا الوضع مختلف كليا من هذه الناحية، فإن استعمال مواقع التواصل غير مقيد، وللمستخدم الحرية المطلقة في التعبير عما يريد.

مع تطور وسائل الاتصال الاجتماعي وتقدمها في حياة الافراد وتوطيد العلاقة بينهما، أصبح الاندماج الإجتماعي بين ابناء البيئة الواحدة سواء على الصعيد المحلي او في بلاد الغربة أكثر سهولة، فتأمنت لهم المساحة الكافية لمشاركة الافكار والاحداث والمشاعر، واصبحت بالنسبة للمغترب ارضا خصبة للبقاء على قيد الاندماج الاجتماعي وعدم الخروج السهل من البيئة المحلية التي نشأ فيها.