"تنفيذاً للوعد الذي قطعته على نفسها بتحرير الأسرى والمعتقلين، قامت المقاومة الإسلامية صباح اليوم عند الساعة التاسعة وخمس دقائق بأسر جنديين إسرائيليين عند الحدود مع فلسطين المحتلة، وتم نقل الأسيرين إلى مكان آمن". على وقع هذا الخبر، استفاق اللبنانيون صبيحة يوم الأربعاء في 12 تموز عام 2006. خبر شكّل مصدر فرح لدى الكثير من اللبنانيين.
خلّة وردة، تلك النقطة "الساقطة عسكرياً" كما يصفها الجميع، شهدت على بداية حرب غيّرت الكثير من المعادلات في المنطقة، وأحبطت ولادة الشرق الأوسط الجديد الذي كان قد بدأ مخاضه منذ اجتياح العراق في العام 2003.
انقشع الغبار: عملية أسر نوعية، وكمين قاتل أحكم تنفيذه "حزب الله"، أدى لسقوط جنديين اسرائيليين في قبضته، وصدمة كبيرة لدى الحكومة الاسرائيلية لم يتمكن أحد من تفسيرها.
اول المشاهد التي انتشرت والتي شكلت صورة عن نوعية العملية الدقيقة التي نفذها الحزب في تلك المنطقة، هو مشهد الآليّة المدمرة والجنديين الأسيرين، دون أي تفاصيل إضافية، حتى أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أن "الجنديين لن يعودا الا بوسيلة واحدة هي التفاوض غير المباشر والتبادل"، مشيراً إلى أن "اي عمل عسكري هدفه استرجاعهما هو واهم"، ومؤكداً أنه "اذا اراد العدو الاسرائيلي التصعيد فنحن مستعدون للمواجهة لأبعد ما يمكن ان يتصوره الاسرائيلي".
هكذا كان المشهد العام لبداية حرب الـ"33 يوماً"، قبل أن تنتهي باعتراف اسرائيل بانتصار حزب الله، رغم الدمار وعدد الشهداء.
تروي سهير كلاس، أم لخمسة أولاد، تلقيها لخبر عملية الأسر، فتقول: "أول ما تبادر إلى ذهني هو حرب عناقيد الغضب، وأنّ الأيام المقبلة ستكون جداً صعبة، لذا قمت بتحضير ثياب أطفالي ووضعت المال والأوراق الثبوتية كلها في حقيبة واحدة وتجهّزت لأي طارئ، وفعلاً في صبيحة يوم الخميس بدأ قصف المطار فانتقلت إلى منطقة الطريق الجديدة خوفاً أن تصل الهمجية الاسرائيلية إلى الضاحية". وتضيف: "همي طوال الحرب كان أولادي، لم أكن أهتم لأي شيء آخر، انتقلت من ملجأ إلى آخر بحثاً عن الأمان"، مؤكدة أن "الأمل الوحيد خلال الحرب كان يولد عند سماع خطابات نصرالله الذي كان يخلق من الضعف قوة، ومن اليأس أملاً بالنصر".
وعن أبرز محطات الحرب، تشير إلى أنه "عند فجر يوم الأربعاء في 19 تموز، أي بعد اسبوع على انطلاقها، تلقينا اتصالا من أحد الحراس الذين ظلوا في منطقة حارة حريك، ليخبرنا أن منزلنا قد تعرض لغارة اسرائيلية وتم تدميره". وتقول: "لا أدري تحديداً ماذا شعرت، وكأن كل ما قمت به قد دُمّر، وكأن كل الذكريات قد تم تهديمها، كل ما اذكره انني قلت والدمعة في عيني "الحمد للهّ!"
وإذ تلفت كلاس إلى أن أسوأ ما تتذكره هي الغارة الاسرائيلية في اليوم الأخير للحرب والتي استهدفت مجمع "الإمام الحسن" في منطقة الرادوف، تقول: "يومها شعرت وأن كل شيء انتهى، حياتي وحياة اولادي، أكثر من 20 ضربة اسرائيلية كانت كالصاعقة علينا".
وتختم بالقول: "رغم الخوف الذي عشناه والحالة الرديئة للعيش، الا ان النصر الذي وعدنا به نصرالله منذ بداية الحرب كان أملنا، ووصلنا اليه، ورغم اننا خسرنا الكثير، الا ان انتصار وطننا كان أغلى من كل شيء".
من جهته، يعتبر الشاب البيروتي العشريني "محمود ض." أن "ما حصل في تموز هو عدوان وليس حرباً"، لافتاً إلى أن "عملية الأسر كانت منتظرة جداً عند جميع اللبنانيين خصوصًا أنه في سجون الإحتلال الإسرائيلي العديد من الأسرى اللبنانيين والذين كانوا يعوّلون على ان يقوم "حزب الله" بفعل ما لتحريرهم، فأتت عملية الأسر لإتمام عملية التبادل وهي حق مشروع للحزب في وقتها وهذا الحق مكرّس بالبيان الوزاري".
ويروي محمود انه "قبل حرب تموز كان هناك انقسام لبناني حاد بين طرفي 14 و8 أذار، وخاصة بين حزب الله وتيار المستقبل، وكنا في السياسة نختلف كثيراً، لكن ما إن بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان حتى وجدت نفسي، وعائلتي وكل مؤيدي تيار المستقبل وكل اللبنانيين معنيين تماماً بالوقوف الى جانب المقاومة في ردع الآلة الهمجيّة الاسرائيلية التي تضرب لبنان، وكل المناطق اللبنانية واللبنانيين وكل القرى الجنوبية بدون تفريق، وبدأت أبحث عن دور لي في مساعدة المقاومة فعملت كما الكثير من الشباب البيروتي واللبناني بوجه عام على مساعدة اخواننا النازحين الذين أتوا من المناطق الحدودية المعرضة للقصف الى بيروت وقطنوا في المدارس والمجمعات المخصصة لهم"، مشيراً إلى أنه "كانت تعلميات من يشرف علينا (قيادي في الحزب) بمراضاة الناس وتحمّل سخطهم وتحويله الى مدعاة فخر، كنا نحزن ونغضب عندما نجد نازحا (جنوبيا، او بقاعيا في بيئة حزب الله) يلوم الحزب على أسر الجنديين الإسرائيليين، كانت ثقتنا بالنصر كبيرة، وإن لم يأت النصر لن نخسر لأن لبنان موحّد بوجه العدو".
وعن أبرز محطة له في حرب تموز، يقول محمود: "انني لا زلت استذكر الخطاب الشهير لنصر الله والذي اعلن خلاله ضرب البارجة العسكرية في عرض البحر، يومها صدحت طويلا "لبيك يا نصر الله" من قلب بيروت أنا المؤيد لتيار المستقبل بكل إقتناع"، معرباً عن استيائه من خطاب النصر لنصرالله "فتحوّلنا في أول خطاب بعد الحرب الى خَوَنة ومتآمرين على المقاومة، وأصبح خطنا السياسي خط خيانة للبناني ولمقاومته، واصبحنا بحسب نصر الله أدوات بيد الاسرائيلي وعملاء الداخل".
ويختم محمود: "لا يمكن لأحد أن ينكر بطولات حزب الله في حرب تموز، وأيضاً لا يمكن لأي أحد أن ينكر لنا ولاءنا لبلدنا واهلنا وتاريخنا بالمقاومة ودعمها، قبل حزب الله وحتى وصوله الى الجبهات الحدودية".
عشرة أعوام مرت على حرب تموز، الحرب التي كانت تهدف لرسم صورة جديدة للبنان. عشرة أعوام مرت، الا ان الذكريات التي عاشها اللبنانيون طيلة 33 يوماً ستبقى راسخة، وصور الانتصارات برا وبحرا وجواً، ستبقى محفورة في التاريخ.