غزوة القاع الارهابية مضت ولكن آثارها وجروحها لا تزال ماثلة في مكان الحدث بدون ان تتضح بعد الاسباب او التفسيرات الحقيقية لما حدث والغايات التي سعى اليها الانتحاريون الثمانية، بل بقيت التفسيرات مجرد تكهنات حول حقيقة ما اراده تنظيم «داعش» الارهابي من هذه العملية النوعية بارهابها خصوصاً ان تنظيم «داعش» الارهابي لم يعلن في بيان رسمي تبني العملية كما ان تساؤلات كثيرة تطرح حول اسرار هذه الغزوة التي لم يسبق ان حصلت في اي منطقة لبنانية عبر خروج هذا العدد من الانتحاريين من اوكارهم في وقت قياسي وسريع حيث حالت العناية الالهية وسرعة بديهة وحذر القاعيين والجيش دون وقوع اصابات بحجم ما خطط له الانتحاريون، وبين القائلين بان الانتحاريين كانوا في صدد التوجه الى منطقة اخرى وان انكشافهم جعل الحادث يقع في القاع وبين سيناريوهات ان الهدف كان في القاع نفسها انما باهداف اخرى، فالتفجير الغامض لا يزال لغزاً قائماً وان كان المسيحيون في صلب اهداف «داعش» و«النصرة» وقد تحولوا فعلاً بعد تفجيرات القاع الى اهداف حقيقية، حيث على ما يبدو ان تنظيم الدولة الاسلامية لبنانياً قد عدل في مخططاته على الاقل، لاستسهاله ربما الهدف في منطقة القاع التي هي على تماس مع ارهابيين فيما المناطق التي استهدفت في مناطق اخرى هي اليوم مزنرة بحزام امني واسع من حزب الله والجيش.

قد يكون صحيحاً ان التنظيمات الارهابية غالباً ما تعدل او تبدل في خططها او تبحث عن بنك اهداف مختلفة ولطالما ورد اسم المناطق المسيحية والسفارات الغربية في التقارير الامنية كاهداف محتملة، وفي المحصلة مهما كانت التفسيرات وما ستظهره التحقيقات وفق عمل الاجهزة الامنية فان المسيحيين بعد غزوة القاع صاروا في قلب المواجهة مع الارهاب تؤكد المصادر، وهذا ما اظهرته الغزوة وما انتجته الوقائع على الارض في مكان التفجير الارهابي ومواقف القوى السياسية والرأي العام المسيحي في موقع الحدث الذي بات يفتش عن حماية مناطقه بالامن الذاتي الى جانب القوى الامنية والجيش، خصوصاً وان التعامل مع الانتحاريين مسألة معقدة وفي غاية الخطورة فالتعاطي مع السيارات المفخخة التي اقفلت معظم معابرها بفعل الجهود الامنية لا يشبه ظاهرة الانتحاريين الذين يتسللون الى اهدافهم ويصلون اليها بدون اي صعوبات.

غزوة القاع حصلت لكن حتى الآن لم تحصل اي خطوات عملية لمنع تكرار ما حصل في القاع في اي منطقة لبنانية اخرى فالدولة او الحكومة متقاعسة بحسب المصادر، عن ايجاد حلول لازمة النزوح ومخاطره حيث لا يمكن التفريق بين نازح او ارهابي وبالتالي فان مئات لا بل آلاف الارهابيين يمكن ان يكونوا على مقربة من اهدافهم وينتظرون ساعة الصفر للتحرك الى اهدافهم. وترى المصادر ان لبنان متروك للعناية الالهية في مسألة النازحين التي تشكل قنبلة موقوتة في اي وقت، فيما الدولة عاجزة عن تقديم الحلول في ظل انقساماتها وخلافاتها، صحيح ان لبنان لم يتحول بعد الى قاعدة «لتنظيم الدولة الاسلامية» ولا بيئة حاضنة له لا بل لا يزال ممراً مما يعني ان الوضع يمكن ضبطه الى حد ما اليوم و يمكنه التصدي لهذه الحالات والتعاطي مع الوضع الجديد الناشىء وتصحيح مكمن الخلل الامني الذي يتركز في مخيمات النازحين اذا كانت نظرية ان لبنان لا يزال ممراً «لتنظيم الدولة الاسلامية» وليس مقراً.

وترى المصادر ان واجب الدولة اليوم ان تعالج موضع الجرح النازف في المخيمات الذي لطالما شكل خللاً في البنية اللبنانية، فاهالي القاع لطالما عبروا عن مخاوفهم من مشاريع القاع التي تحوي ثلاثين الف نازح سوري يصعب تبيان هوياتهم والتفريق بين نازح او ارهابي، الا ان التعاطي الرسمي اللبناني لا يزال متناقضاً في موضوع النزوح، فالواضح بعد تفجيرات القاع ان قوى سياسية استفاقت فجأة على موضوع مخيمات النازحين في وقت ذهبت اخرى الى تسويق نظرية ان الانتحاريين اتى اربعة منهم من الداخل السوري وفي الحالتين ومهما كانت نقطة الانطلاق للانتحاريين فان الاربعة الآخرين تواجدوا في الداخل اللبناني، وبالتالي فان ثمة ثغرة ما سمحت بحصول ما حصل فالاجتماعات الامنية وجهوزية الجيش والاهالي ودعم حزب الله لا يكفي لمواجهة الانتحاريين، بل يجب البحث في مسألة امن مخيمات النازحين.

السؤال بعد مرور كل هذا الوقت على غزوة القاع وفي ظل التحذيرات الغربية والعربية لرعاياهم من الحضور الى لبنان، ماذا انجزت الدولة من حلول وما الذي يمنع تكرار سيناريو القاع الف مرة، حتى الآن ثمة انقسام لبناني في التعامل مع مخيمات النازحين، فثمة وجهة نظر متشددة برفض التعامل مع النازحين على انهم ارهابيون والصاق كل ما يحصل بالمخيمات بسبب وجود ممرات سرية تتيح دخول وخروج من يشاء من ارهابيين، في حين يرى المتشددون بضرورة ايجاد حل لموضوع مخيمات النازحين قبل ان تخترب البلاد اكثر على اعتبار ان الارهابيين يقطنون بين سكان المخيمات ويصعب تمييزهم وهذا ما يحصل في مخيمات عرسال وفي مشاريع القاع وفي كل مخيمات النازحين. وفي كل الاحول تعتبر المصادر ان المطلوب ليس الجهوزية الامنية وحدها او انشاء ظاهرة انصار الجيش لمؤازرة الجيش والقوى الامنية انما التصدي لظاهرة تسلل الانتحاريين الى المخيمات واندماجهم فيها، وقد كان التيار الوطني الحر السباق في طرح موضوع النزوح السوري وتقليص عدد النازحين السوريين في حين يسانده حزب الله بضرورة التنسيق مع السلطات السورية لاعادة السوريين الى المناطق الآمنة في حين يبدو ان تيار المستقبل يأخذ الامور في اتجاهات مغايرة وكأن الارهاب يوفر المناطق السنية فيما هو في الحقيقة لا يميز بين الشيعة والسنة او بين المسلمين والمسيحيين.

قد تكون احداث القاع وضعت الاصبع على جرح المخيمات الذي يمكن ان يسبب نزيفاً دامياً اذا لم يتم ضبطه خصوصاً انها تحوي خلايا نائمة تستيقظ على اهدافها فجأة وفق توقيت مستخدميها لكن المعالجة بقيت غائبة لموضوع النزوح والمخيمات والاتكال فقط على القدرة الالهية والجهود الامنية وحدهما في تقليل الخسائر والاضرار.