تكاد مقولة ان التوافق السعودي-الإيراني هو المخرج الوحيد لأزمة الاستحقاق الرئاسي في لبنان، والتي ستحمل الرئيس المسيحي الماروني الوحيد في العالم العربي، تكون الأكثر تداولاً هذه الأيام.

لقد كانت ​الانتخابات الرئاسية​ في لبنان منذ الاستقلال نتيجة طبخة عربيّة-غربيّة تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحلية السياسية اللبنانية، وتختار رئيسا وشخصية تراعي هذه الظروف، وتتكيف مع المحيط العربي وعواصمه المؤثرة في تلك المرحلة، وهي القاهرة، الرياض، بغداد ودمشق.

وترى مصادر سياسية متابعة ان ظروف الانتخابات الرئاسية في لبنان الداخلية والخارجية اليوم قد تبدّلت، وان العالم العربي المشتّت والذي يشهد حروبا داخلية شرسة يتجاهل اللعبة الرئاسيّة اللبنانية، وان الممارسات السياسيّة الداخلية بعد الحرب اللبنانيّة وخلال وبعد الانسحاب السوري من لبنان، جعلت الطوائف الاسلامية وبسبب تماسكها هي التي تختار زعيمها ومن يمثلها في رئاستي المجلس النيابي والحكومة، وبقيت الطوائف المسيحية وخصوصًا الموارنة عاجزين عن تطبيق هذه القاعدة.

وتلفت المصادر الى عدة محطات كان يمكن ل​بكركي​ فيها ان تلعب دورا أساسيا في تحقيق او تأمين ظروف وصول المسيحيين لتحقيق ما يطالبون به. وتورد هذه المصادر عدّة أمثلة على ذلك، مشيرة الى أنّ قانون الانتخاب الذي هو على رأس المطالب والذي يحول دون أن ينتخب المسلمون أغلبيّة النواب المسيحيين، تمّ بحثه بين البطريرك والزعماء السياسيين وتوصّلوا الى شبه اتفاق على القانون الأرثوذكسي، ولم يبقَ سوى بعض التفاصيل لإقناع جميع الكتل المسيحية به.

وتلاحظ المصادر نفسها أنّه في الوقت الذي قبلت بهذا القانون بعض الكتل الإسلاميّة، لَمْ يبذُل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أي جهد يذكر لتقريب وجهات نظر الكتل المسيحية تمهيدا لتأمين اجماع مسيحي حوله، لكنه فضّل السفر الى الخارج وترك أنصار هذا القانون يتصارعون مع زملائهم مما أدى الى عدم حصوله على إجماعٍ كان من الصعب على الكتلِ الاسلامية رفضه.

اما في الملف الرئاسي، فظهرت تباينات بين الزعماء الموارنة الأربعة رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ والرئيس الأسبق ​أمين الجميل​ ورئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ حول ما دار بينهم بحضور البطريرك الراعي حول الانتخابات الرئاسية، لكن سيد بكركي لم يبذُل جهدا ايضا في توضيح ما تمّ التوافق حوله، مما أضاعَ على الكنيسة والزعماء المسيحيين فرصة توحيد الصفّ وتسمية مرشّحهم لرئاسة البلاد.

وتذكّر المصادر في هذا السياق كيف ان البطريرك المستقيل مار نصرالله بطرس صفير وبالرغم من الخلافات السياسية التي كانت قائمة بينه وبين العماد ميشال عون، لم يتردّد بعد نتائج الانتخابات النيابية في المناطق المسيحية في العام 2005، من الإعتراف انه اصبح للمسيحيين زعيم.

ولا تغفل المصادر عن الدور الذي لعبه الرئيس السابق ​ميشال سليمان​ في تشتّت القوى المسيحيّة مركزا اهتمامه وجهده على منافسة رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" سواء في مواقفه السياسية او عند تشكيل الحكومات او في تعيينات موظفي الفئة الاولى من المسيحيين، مذكّرة كيف ان هذا السلوك عطّل تعيين رئيس لمجلس القضاء الأعلى، إضافة الى تقلّباته السياسيّة حيث انطلق في اول عهده من تأييد لمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة" وانتهى بوصفها بالمعادلة الخشبيّة.

وتؤكّد المصادر، ان المطلوب اليوم من الكتل النيابية المسيحيّة ومعها الصرح البطريركي ان تلتحق بركب الاتفاق العوني-القواتي الّذي كان وبحسب الكثيرين مستحيلا، وان تأخذ بعين الاعتبار كل هذه العوامل، وتتعلّم انه في غياب موقف مسيحي موحد حيال رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب، ستعمد القوى المحليّة وبدعم من قوى خارجية على فرض رئيسٍ للجمهورية عليها وقانون انتخاب لن يؤمّن الشراكة الحقيقيّة التي تطالب بها.

وتعتبر المصادر، ان خطابات ومناداة البطريرك للقوى المحليّة والأجنبيّة بالعمل على انتخاب رئيس للجمهوريّة، وصراخ بعض القوى المسيحيّة المطالبة بالميثاقيّة والشراكة الحقيقيّة، لن تؤدّي أهدافها، اذا لم يحصل لقاء في بكركي يجمع كل الزعماء المسيحيين ليخرجوا باسم الشخصيّة التي يختارونها لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة وبتصوّرٍ لقانونٍ انتخابيٍّ يؤمن لهم الشراكة الحقيقية، فانّ ما يتردّد بأن هناك "مسيحي-شيعي، ومسيحي-سني"، سيُصبِح واقعا مؤلمًا، وربما يؤدّي الى مزيدٍ من تهميش لفريق من اللبنانيين، يُفقد هذا البلد ميزته في العيش المشترك.

وتخلص المصادر الى القول، انه يجب على رئيس جمهورية لبنان المسيحي ان يعود كما كان دائما في طليعة الزعماء العرب وفي كل القِمم العربيّة التي تعقد، محاورا أساسيا يحظى باحترام الجميع، لا ان يكتفي بالطلب الى أقربائه ببيع الهدايا التي يحصل عليها من بعض زعماء دول الخليج.