كالسحر، وفي ليلة واحدة، بدت طاولة الحوار وكأنها المخلّص لكل مشاكل لبنان، بعد أن ظهرت بوجهها الباهت في يومها الأول. خرج السياسيون يوم أمس من ثاني حلقات "ثلاثية الحوار" وكأن كرسي رئاسة الجمهورية قد ملئت وكأن القانون الجديد للانتخابات قد أقر.
مجلس الشيوخ، أو الشماعة التي علّق عليها الجميع حلول لبنان، بات الأزمة الأساسية في لبنان الذي لو تم تشكيله، سيخرج لبنان من كل مشاكله. نفض زعماء طاولة الحوار الغبار عن ملف مجلس الشيوخ بعد أن بات من عداد الملفات المنسية، وهي كثيرة، إذ ان قرار تشكيله يعود إلى اتفاق الطائف بعد الحرب اللبنانية. فلماذا استفاق المسؤولون اليوم على موضوع مجلس الشيوخ؟ وما الهدف من طرحه في وقت يعيش لبنان فراغاً مؤسساتياً كبيراً؟
في هذا السياق، يعتبر المدير الهام السابق لوزارة الاعلام محمد عبيد، في حديث مع "النشرة"، ان "اتفاق الجميع على طاولة الحوار حول موضوع مجلس الشيوخ هو لتعويم ما سمي بثلاثية الحوار بعد فشل اليوم الأول من التوصل إلى أي اتفاق حول رئاسة الجمهورية أو قانون الانتخابات"، كاشفاً بأن "فكرة طرح موضوع مجلس الشيوخ قد حصل باتفاق ليلي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط".
يتقاطع كلام عبيد مع ما يقوله الكاتب والصحافي طوني عيسى الذي يرى أن "أقطاب طاولة الحوار لم يتفقوا على شيء من السلة المتكاملة التي طرحها بري لذلك لا بد أن يبحثوا عن بعض القضايا التي تغطي فشلهم ولكي لا يخرجوا بصفر نتائج"، مؤكداً أن "هذه الأسباب هي خلف طرح فكرة مجلس الشيوخ الآن".
وعن توقيت طرح الموضوع، يشير عبيد أن "طرح هذا الموضوع في هذا التوقيت يعقّد الأمور أكثر لأنه يتطلب تشكيل مجلس الشيوخ أي ايجاد مؤسسة دستورية تحفظ حقوق الطوائف بعد انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي وفق اتفاق الطائف، وبالتالي الخطوة الأولى تكون بوضع قانون انتخابات خارج القيد الطائفي لينبثق عنه مجلس نيابي جديد ومن ثم يتم انتخاب مجلس الشيوخ".
ويشدد عبيد على أن "طرح هذا الموضوع في هذا التوقيت هو للمراوغة خصوصاً أنه ستظهر ردات فعل مسيحية حول مسألة المناصفة وسيجاريهم بعض القيادات الاسلامية بالمطالبة بالمناصفة لحفظ حقوق المسيحيين"، لافتاً إلى "ضرورة وجود آلية واضحة تطمئن كل المجتمع اللبناني خصوصاً المسيحيين".
ويعتبر عبيد أنه "كان الأحرى لمن طرح موضوع نجلس الشيوخ أن يبادر إلى طرح تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية التي يعود إليها مسؤولية وضع قوانين تشكيل مجلس نواب خارج القيد الطائفي ووضع أسس لمجلس الشيوخ بشكل واضح يطمئن جميع الطوائف"، مشددا على أن "هذا الموضوع هو لتضييع الرأي العام اللبناني باعطائه "شيك بلا رصيد" لا يصرف في أي مكان.
من جهته يؤكد عيسى أن "الآن ليس التوقيت المناسب لطرح موضوع مجلس الشيوخ فهي مسألة نائمة في الأدراج واخراجها إلى الضوء لن يوصل إلى نتيجة"، معتبراً أن "طرحها الآن هو لعدم الخروج من الحوار من دون نتائج"، ويضيف "ان موضوع مجلس الشيوخ ليس في واقع البحث الجدي الآن الا انه قد يكون موضوعاً مهماً في مراحل مستقبلية".
وإذ يرى أن عهد اتفاق الطائف قد انتهى، يرى عيسى "اننا نقترب مما يسمى بـ"المؤتمر التأسيسي" وقد يحمل أسماء أخرى وهذا المؤتمر سيوصلنا إلى السلة المتكاملة الحقيقية"، مشيراً إلى أنه "ليس في الأفق ما يدل على أن الانتخابات الرئيسية اقتربت، واذا تأخرت بعد الخريف فلا رئيس قبل صيف عام 2017"، ومشددا على أن "لا أحد من السياسيين يعتبر نفسه خاسرًا بتأخر موضوع الرئاسة فالأهم بالنسبة لهم هو المحافظة على الكم الأكبر من المصالح".
ما بات محسوماً حتى الآن أن طاولة الحوار الثلاثية لن تضيف جديداً على الساحة السياسية، خصوصاً في ظل عدم التوصل إلى التفاهمات اللازمة حول السلة المتكاملة. إلا أن الجديد في مسلسل الحوار هذه المرة هو طرح "إبرة مورفين" جديدة للرأي العام والمتمثلة بمجلس الشيوخ. فكيف يمكن لطبقة سياسية لم تتوصل لانتخاب مجلس نيابي جديد ورئيس للجمهورية، أن تتفق على انتخاب مجلس للشيوخ؟