في محصلة الجولات الحوارية الثلاث «لا شيء» الا ان طاولة الحوار جاءت مضيعة للوقت وعملية الهاء للرأي العام والوسط السياسي والاعلامي عن امور كثيرة ابرزها الاستحقاق الرئاسي الذي اصطدم بالحائط المسدود مرة جديدة ومدد المتحاورون للفراغ الرئاسي مجدداً ورمي كرة قانون الستين في ساحة التداول كمخرج لا بد منه ولا غنى عنه في حال لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية حيث لا يجوز تعميم الفراغ والتعطيل على كل مواقع الدولة، وعبر رمي طرح مجلس الشيوخ بكل تعقيداته وحساباته فيما الدولة برمتها عاجزة عن البحث والاتفاق رغم جلسات اللجان على قانون انتخاب بديل عن الستين.

ولعل ما يمكن استخلاصه من عبر الطاولة المنعقدة ان الاستحقاق الرئاسي الذي كان متوقعاً شهر آب الحالي تم ترحيله الى اجل بعيد نسبياً بحسب مصادر متابعة، قد يصح قبل الانتخابات النيابية بقليل ربطاً باحداث المنطقة والتطورات فيها. هذه النظرية لا يبدو رغم ارجحيتها انها تعني المشاركين في السباق الرئاسي الذين اعادوا شحذ هممهم وتحضيراتهم الانتخابية استعداداً لجولات جديدة، فالمرشحان الرئاسيان من فريق 8 آذار لم يستسلما للرئاسة ولم يقرأ احد منهما في ما قيل على الطاولة اشارات سلبية او تدعو لليأس، فالنائب سليمان فرنجية حاول ان يغض النظر او السمع عما قاله الجالس قربه على الطاولة فؤاد السنيورة عن استعداد المستقبل للسير بخيار ثالث توافقي، ويحاول فرنجية ان لا يتذكر كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق بعدم الممانعة لانتخاب ميشال عون، فحسابات فرنجية تدعوه الى التفاؤل وعدم اقفال الفرص التي قد تهبط في اي لحظة يتقرر ان يفك الطوق عن الاستحقاق.

ورغم كل حملة التسويق لعون رئيساً في مستهل الشهر الحالي فان رئيس تيار المردة لم يسلم ورقته الرئاسية تؤكد المصادر، وهو لا يزال يصر على المضي بالترشح، فرنجية يدرك ان طريق الجنرال لا تقل وعورة عن طريقه وان الالغام لم يتم ازالتها من تلك الطريق وقد تنفجر في اي لحظة في وجه ترشيح عون مجدداً، فرئيس تيار المستقبل لم يعط قراراً بعد والنائب وليد جنبلاط الذي يطالب باي رئيس والذي فهم من كلامه انه لا يمانع بوصول عون يمكن ان ينقلب على موقفه في اي لحظة ، كما ان جنبلاط لا يتحمس لخيار فرنجية لاعتبارات وحساسيات الجبل ولقانون الانتخابات النيابية الذي يجعله يتشارك مع رئيس تكتل الاصلاح والتغيير في الشوف وبعبدا وعاليه..

اراد فرنجية قبل فترة التشويش على عون من عين التينة خصوصاً وان الاخير يعتبر نفسه على قاب قوسين من الدخول الى جنة بعبدا، اما حوافز فرنجية ورهاناته التي بنى عليها عودته بزخم الى الساحة الرئاسية رغم كل المطبات فمردها الى جملة معطيات، فتيار المستقبل تضيف المصادر، لم يحسم امره مع عون ولا يمكن ان يفعل ايضاً فلا يمكن البناء على كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق وثمة صراع اجنحة وتعدد نظريات في المستقبل، لكن الحريري لم يسقط خيار فرنجية بعد، فالحريري الذي التقى سمير جعجع على السحور الرمضاني لم يقتنع بما سمعه من «حكيم» معراب المتوجس من فرنجية حول ضمانات الطائف ومشاركة عون في جلسة الانتخاب اذا تأمن النصاب، ولم تغره معادلة غير مكتملة المعالم لعون في قصر بعبدا والحريري في السراي خصوصاً وان خطوة بهذا الحجم ستكون مكلفة اذا لم تتوفر لها فرص النجاح على تيار المستقبل الذي خسر كثيراً من شعبيته وحضوره في الاستحقاق البلدي، واشارت المصادر الى ان حسابات الملف الرئاسي لها تشعباتها وحساباتها في حسابات بنشعي بعيداً عن العواطف الانسانية وبالتالي فان الالتزام الاخلاقي بالحلفاء الذي اعلن عنه حزب الله يمكن ان يكون له مخارج ولعل ما قاله خصم بنشعي مؤخراً سمير جعجع يعكس وجهة النظر هذه، فجعجع يعتبر ان حزب الله لا يحتمل خسارة عون على صعيد التحالف السياسي لكن الرئاسة موضوع آخر. ومن جهة اخرى فان حزب الله له اولويات اخرى فهو يخوض «ام المعارك» في حلب ويتطلع الى الحسم في سوريا وهو ربما يفضل الستاتيكو القائم حالياً على التلهي عن المعركة الكبرى ضد الارهاب.

من جهة ميشال عون لا تبدو الامور اقل حماسة، على حدّ قول المصادر، تفاؤل الرابية له اسبابه وظروفه، فمعركة حلب بدأت تظهر نتائجها والمجتمع الدولي الذي يتصدى للارهاب في فرنسا والمانيا وبلجيكا لم يعد يخوض الحرب ذاتها على النظام السوري كما من قبل، وتيار المستقبل من ناحية اخرى لا يضع الفيتو نفسه الذي كان قائماً في السابق على ترشيح عون. ورئيس المجلس صار « في الجيب» بعد تفاهمات معه في ملفات النفط وغيرها، اما وليد جنبلاط فيمكن الحديث مؤخراً عن «وليد مختلف» بالنسبة الى الرابية الذي لا يتحمس كثيراً لخيار فرنجية، وبالتالي فان من انتظر كثيراً يمكن ان يصبر اسابيع قليلة بعد، و«من شرب البحر لن يغص بالساقية»، وبالتالي فان الاستحقاق الرئاسي بات ضرورة ملحة فكيف مثلاً لا يمكن اجراء انتخابات نيابية وقبلها حصلت الانتخابات البلدية ولماذا لا يزال الاستحقاق الرئاسي ممنوعاً؟.