بين كرٍ وفرٍ، تتأرجح المعركة في ​مدينة حلب​، التي كثر الكلام حولها في الآونة الأخيرة، فوصفها البعض بالاستراتيجية والمفصلية، فيما رأى آخرون أنّها مجرّد جولة من جولات الحرب، وسط شبه انقلابٍ في معطياتها على الأرض.

إلا أنّ غبار المعركة لم ينجلِ بعد على أرض الميدان، ف​الجيش السوري​ وحلفاؤه لن يسمحوا بفكّ الطوق المفروض على حلب، والمجموعات المسلحة تستميت في المقابل لتحقيق الانتصار في ما تعتبرها معركة حياة أو موت، وهي خاضت العديد من الجولات كان آخرها في الساعات الماضية، حين أعلن ​جيش الفتح​ عن جولة جديدة مع تعزيز في العدة والعديد.

كر وفر...

يعتبر المحلل السياسي وعضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار ​نوفل ضو​ ان الوضع الميداني في سوريا هو كر وفر بين النظام والمعارضة المسلحة، سواء في حلب او اي منطقة اخرى من الاراضي السورية، لافتا الى ان هناك توازن قوى على الارض لا يسمح بحسم المعركة من قبل احد الاطراف، فالجيش السوري لا يملك من القوة لحسم الامور لمصلحته بينما المجموعات المسلحة متماسكة ولم تنهَر، كما يحاول البعض الإيحاء.

بالمقابل، يؤكد المحلل المتخصص في الشؤون الروسية ​محمد سيف الدين​ ان المعركة في حلب هي مركز الثقل في الحرب السورية والمفاوضات المقبلة، لافتا الى ان خطوة جيش الفتح بفتح ممر عسكري في الراموسة هو اعلامي اكثر منه ميداني على الارض لان الممر تحت مرمى نيران الجيش السوري، بينما اذا توسع هذا الممر بإتجاه الاحياء الشرقية ليصبح منطقة واسعة، عندها تنقلب الموازين بعد محاصرة الجيش السوري في المنطقة الغربية. الا انه يعتبر ان الامور لن تبقى في حالة "ستاتيكو"، كاشفاً أنّ الجيش السوري يتحضر لعملية جديدة في جنوب غرب حلب.

نصف الحرب

ضو يعتبر ان التحرك الروسي في المعركة السورية يكون ضمن خطوط واعتبارات معينة يرسمها لنفسه، لافتا الى انه من الطبيعي ان يأخذ التقارب الروسي التركي الاخير مكانه في المعركة، مشيراً إلى أنّ روسيا ستلتفت الى التوجهات التركية في حلب.

وحول موضوع فك الطوق، يؤكد ضو ان لا ارتدادات سياسية لموضوع فك الطوق عن حلب، وهذا ما حصل حين تمت السيطرة على القصير، إذ لم يستطع احد صرف الموضوع سياسيا لا في لبنان ولا في سوريا رغم التهويل الاعلامي الذي حصل، مشددا على ان هذه الحرب هي حرب مواقع ولا احد يستطيع حسم الموضوع، وسقوط حلب لا يعني ان النظام سيقف على قدميه وفوز المعارضة لا يعني السيطرة على الارض لاننا في معارك كر وفر.

بالمقابل، يؤكد سيف الدين ان روسيا والحكومة السورية لن يقبلا بالتطورات الاخيرة على الارض، وقد بدأ التحرك والتحضير للمعركة عبر تكثيف الضربات الجوية على حلب وادلب خزان المسلحين والذي تنطلق منه الهجمات. ويلفت الى ان سوريا وروسيا تعتبران التطورات الاخيرة ورقة بيد جيش الفتح والنصرة ومن يمثلهما على طاولة المفاوضات في جنيف، مؤكدا ان اسس المعركة في سوريا تحددها ​معركة حلب​، واذا استطاع الجيش السوري وحلفاؤه بالاسابيع القادمة السيطرة على الاحياء الشرقية والمدينة يكونون قد قطعوا نصف الطريق لمعركة ادلب لقصم ظهر جبهة النصرة.

وينبه سيف الدين الى التطور المهم الذي حصل في مدينة منبج، على هامش معركة حلب، والتي سيطرت عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، لافتا الى ان هذه المدينة هي حلقة الوصل والانطلاق لمسلحي داعش، فالمسلحون يصلون اليها من تركيا وينطلقون منها الى الجبهات السورية، وسقوط منبج يعني سقوط خط امداد داعش، وهذا ما يشير الى اهمية معركة حلب، فإذا حسم النظام المعركة يكون قد قطع قسمًا كبيراً من الحرب، لانه يكون قد اقترب من المرحلة النهائية من الحرب في كتلته الاساسية.

الايام او الاسابيع القادمة ستكون إذاً حاسمة بعد انجلاء غبار المعركة وتثبيت الجبهات على الارض، فهل يكون لزيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى روسيا ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اثر على هذه المعركة؟ انظار العالم اجمع ومتابعة الاعلام دقيقة جدا لهذه المعركة، ما جعلها معركة دولية على الارض السورية في رقعة محددة، فمن سيحسم هذه الجولة التي يمكن ان يكون لها ارتدادات استراتيجية بعيدة المدى؟