انتهت مهلة النيابة العامة الاستئنافية لتمييز الحكم المخفّف الصادر بحق قاتل ​منال العاصي​، زوجها محمد النحيلي، من دون أن تنتهي قضيتها فصولاً، خصوصًا مع الرهان على أن تقوم النيابة العامة التمييزية، ممثلة بالمدعي العام التمييزي سمير حمود، بتمييز الحكم قبل انقضاء مهلة الشهر الباقية لها.

وفي حين نعت جمعية "كفى" التي تابعت ملف منال منذ البدء العدالة في لبنان، معتبرة أنّ "هذا الحكم أثبت كم أن حياة المرأة رخيصة بنظر بعضهم/ن، واتّضح أن مفهوم "الشرف" الذكوري البالي لا يزال أغلى منها"، فإنّ هذه القضية شكّلت الشغل الشاغل للكثير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي، ذكوراً وإناثاً، حيث أطلقت الحملات التضامنية مع عائلة العاصي، كما مع النساء بشكلٍ عام.

اللافت أنّ دعواتٍ صدرت، وتمّ تناقلها بشكلٍ كثيف بين الناشطين، إلى إقرار قانونٍ في مجلس النواب يشرّع للنساء الحقّ بقتل رجالهنّ في حال الخيانة، مع إعطائهنّ أحكاماً مخفّفة في حال "الشكّ" بأزواجهنّ. لا شكّ أنّ مثل هذه الدعوات لا يمكن أن تترجم على أرض الواقع، ولا شكّ أنّ مطلقيها ليسوا جدّيين بها، إلا أنّها عبّرت في مكانٍ ما عن السخط من المجتمع الذكوري، خصوصًا أنّها انطلقت من مبدأ "المساواة بين الجنسين" الذي ينادي به الجميع ولا يطبّقه أحد.

المهزلة الكبرى...

وفي سياقٍ غير بعيد، أطلقت نورما شاهين دعوة لجميع النساء المعنَّفات في لبنان إلى قتل المعنِّف بعد تعذيبه، مطمئنةً إيّاهنّ إلى أنّ الحكم الذي ستصدره محكمة الجنايات لن يتعدّى الخمس سنواتٍ فقط، باعتبار أنّهن سيحصلن على "العذر المخفّف" إذا أقدمن على الجريمة "نتيجة ثورة غضب شديد". هنا أيضاً، لم تكن شاهين جادة بكلامها بقدر ما كانت تسخر من الحكم الصادر بحق العاصي، وهو ما دفعها للاعتذار من روح منال العاصي ورولا يعقوب وعشرات النساء اللواتي يقتلن سنوياً على يد أزواجهنّ، ويقتلن مرّة أخرى بعد تخفيض العقوبة على المجرم، كما قالت.

وفيما رأت شاهين أنّ تشديد العقوبة يبقى الرادع الأساسي للجريمة، أعربت منال المقداد عن خشيتها من أن تكون هي أو أي امرأة أخرى الضحية التالية للعنف الأسري وللقانون الجائر وللمجتمع الذكوري، الذي وصفته بـ"المعاق"، ووسّعت زهرة نصرالله مروحة المتهَمين، حيث اعتبرت أنّ "الراضي بقرارات تخفيفية لقاتل منال عاصي وقتلة نظيراتها من النساء، شريك بجرائمهم". وفي حين عاهدت ياسمين بلوط منال بأنّها لن تسكت عن حقها، اعتبرت وردة أنّ "المهزلة الكبرى ان تكون القاضية التي اصدرت حكما مخففا على زوج منال امرأة"، مشدّدة على أنّ "قوانينا وصمة عار لدولتنا ولانسانيتنا ولمجتمعنا الذي نتغنى انه الاكثر تحررا بين محيطه".

ولم يغب الرجال عن متابعة هذه القضية، حيث اعتبر كريم جابر أنّ إسقاط أهل منال عاصي حقهم الشخصي، بدافع الخوف من انتقام الجاني، يشكّل إدانة لا تقبل التأويل لنظامنا الأمني والسياسي، لكنّه رأى أنّ ذلك، على فظاعته، يبقى أقلّ خطورة من تشريع الأسباب التخفيفية لجريمة الشرف. موقفٌ أيّده فيه مصطفى حمود، الذي تساءل عمّا إذا كان قاتل منال العاصي سيتزوّج بأخرى بعد انقضاء مدّة محكوميته، ليقتلها تحت حجج متعدّدة كما قتل منال ونال العقوبة المخفّضة، وسأل: "هل يجوز لمن يقتل شريكة حياته أن يدخل السجن كسياحة؟!"

كن لنا... لا تكن علينا!

وعلى خلفية قضية منال وغيرها، انطلقت خلال الساعات الماضية حملة ضدّ التعنيف الأسرى على وسائل التواصل الاجتماعي، موجّهة للرجال بالدرجة الأولى، تحت عنوان "كن لنا ولا تكن علينا"، وكانت كلمات معبّرة من بعض النساء للرجال تجسّد الشراكة الحقيقة، فكتبت ندى قازان: "كن لنا رجلاً ولا تكن مستذئباً"، وأضافت إيفا روزا: "كن محباً ولا تكن عدواً".

وفي حين دعت هدى مجذوب الرجل إلى أن يتذكّر أنّ عنده أختاً، رأت إحدى الناشطات، ولقبها "الزهراء"، أنّ "ارجل الرجال هو من يكبح غضبه امام المراة ويحتويها، واحقرهم من يهينها ويعنفها"، ورأت هبة حلال أنّ "العنف اللفظي يكون أشدّ عنفاً من العنف الجسدي في كثير من الأحيان".

وفيما شاركت عضو المكتب السياسي في تيار المردة السيدة فيرا يمين بالحملة، مطلقةَ شعار "كن لنا ولا تكن علينا كي تكون"، اختارت سميرة فقيه أن تتوّجه إلى المرأة نفسها لا الرجل، فبادرتها بالقول: "كوني مع نفسك أولاً... اكسري الصمت... لا تتستري على ظلمك... أوصلي صوتك، ومعاناتك".

وفي هذه الحملة أيضاً، حضر الصوت الذكوري المعتدل والمتوازن، فرأى شاكر زلوم أنّ من يعنّف المرأة جاهلٌ وقاصرٌ ولديه عقدة نقص مرضية، فيما لفت حسين تحفة إلى أننا جميعاً لدينا أمهات، أخوات وبنات، لكن كلّ ما ينقصنا هو القليل من الإنسانية. وفي حين أشار فيليب باسم إلى أنه كان يتمنى أن يكون شعار الحملة "كن رجلاً لكن ليس على الأنثى"، اعتبر أنور القاضي أنّ المرأة هي المدرسة الأولى للحياة.

ليتذكّر كلّ رجلٍ، إن كان معتزاً بذكوريّته، أنّه "خُلِق في رحم امرأة، قبل أن يعرف ذكوريّته". كلماتٌ خطّها عبد زهوة على وسائل التواصل، يفترض أن تستفزّ الرجال، ليتصدّروا هم المواجهة، إحقاقاً للحقّ وانتصاراً للعدالة قبل كلّ شيء...