على الرغم من أن الرسالة التحريضية ضد السعودية، التي وجهها حمزة بن لادن، نجل زعيم تنظيم "القاعدة" الراحل أسامة بن لادن، ليست الأولى من نوعها على هذا الصعيد، إلا أنها تكتسب أهمية لافتة في توقيتها، نظراً إلى أنها تأتي بعد فترة قصيرة على صدور قرار "فك الإرتباط" بين التنظيم وجبهة "النصرة" الإرهابية، التي تحولت إلى "جبهة فتح الشام"، فهي قد تكون مؤشراً على إنتقال التركيز "الجهادي" من ساحة إلى أخرى، بعد أن كانت كل الدعوات تنصب على "الهجرة" و"الجهاد" في سوريا، على أساس أنه "يمهد الطريق لتحرير فلسطين"، بحسب ما جاء في رسالة بن لادن السابقة في 6 أيار الماضي.

في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أن رسالة بن لادن الأخيرة هي الحلقة الأولى من سلسلة، ستكون تحت عنوان "سيادة خير الأمم في إنتفاضة أهل الحرم"، ما يعني أن نجل مؤسس "القاعدة" سيكون له مواقف أخرى متعلقة بالشأن السعودي، في إطار الدعوة إلى "الإنتفاضة" على نظام الحكم فيها، في وقت يعمل فيه التنظيم على محاولة العودة إلى الساحة "الجهادية" مهما كان الثمن، بعد أن سرق "داعش" الأضواء منه على المستوى العالمي، بالإضافة إلى خسارته الورقة السوريّة، التي كانت تتمثل بـ"النصرة"، نتيجة الضغوط التي مارستها بعض القوى الإقليمية على أميرها أبو محمد الجولاني.

من خلال هذه الحلقة، تظهر رغبة "القاعدة" في العمل على تحريض العشائر السعوديّة "العريقة"، عبر وضع بن لادن الأمل عليها في تغيير الوضع القائم، بالإضافة إلى إعطاء دعوته صبغة دينية عبر وصف الشعب السعودي بـ"أحفاد الصحابة الكرام والفاتحين العظام"، من دون إهمال الدعوة إلى تحكيم الشريعة والحديث عن العمالة للولايات المتحدة الأميركية، التي كان والده يعتبرها "رأس الأفعى"، ويدعو إلى توجيه الضربات إليها، لكن الأساس يبقى في الأسباب الموجبة التي وضعتها "القاعدة" لهذه الدعوة، وأبرزها:

-"التغيير في بلاد الحرمين سيعود نفعه على الأمة كلها، لتعود البلاد إلى قيادة الأمّة الإسلامية، ولتسود أمتنا من جديد وتعلو فوق الأمم": هذا هو الحلم الذي يدغدغ مشاعر فئات واسعة من الشباب المسلم، لا سيما السعودي منه، حيث تشير غالبيّة الإحصاءات إلى أن أبناء المملكة هم الأكثر تناغماً مع الخطاب المتطرف، بالإضافة إلى إنخراطهم بأعداد كبيرة في القتال إلى جانب الجماعات الإرهابية، و"القاعدة" اليوم ترى أن التغيير في السعودية سيعود بالفائدة على الأمّة، لا بل تذهب إلى أنه سيكون كفيلاً بإعادة الأمجاد السابقة.

-"آل سعود وجيشهم ليسوا أهلاً للدفاع عن الحرمين الشريفين": بعد الحديث عن أهمّية دور المملكة التاريخي في قيادة العالم الإسلامي، أراد بن لادن أن ينزع "الشرعية" عن الأسرة الحاكمة، عبر القول أنها ليست أهلاً لها، معللاً ذلك بعدم القدرة على هزيمة حركة "أنصار الله" في الحرب اليمنيّة، إلا أنه لم يكتف بهذا الحد، بل ذهب أيضاً إلى اللعب على وتر الفتنة المذهبية في المنطقة، عبر الحديث عن أن "زحف الرافضة نحو الحرمين الشريفين متواصل رغم كل ما يقال في الإعلام والسياسة"، وهو الخطاب الذي تسعى الجماعات المتطرفة إلى تعميمه منذ سنوات عديدة، لا بل أن بعض الدول العربية وقعت فيه من دون أن تدرك التداعيات.

-الثناء على تنظيم فرع "القاعدة" في اليمن والدعوة إلى الإلتحاق به: بعد تأكيدها "ضعف الجيش السعودي وفشل عاصفة الحزم في اليمن"، عمدت "القاعدة" إلى تقديم نفسها كبديل، في سياق الصراع على "الشرعية" القائم منذ مدة، حيث أثنى بن لادن على عمل فرع التنظيم في اليمن، ومن ثم دعا "الشباب والقادرين على القتال والذين ضيّق النظام عليهم إلى اللحاق باخوانهم في اليمن لإكتساب الخبرة اللازمة"، فبن لادن يرى أن السعودية بحاجة ماسة إلى التغيير، ويحدد الأولوية بالتحريض على التغيير والعمل على توعية الشعب على حقوقه بأي وسيلة، لكن هذا لا يمنعه من الدعوة إلى الذهاب إلى اليمن لكسب الخبرة.

في المحصلة، "القاعدة" تريد اليوم التركيز في عملها على الساحة السعودية، بعد أن كانت سوريا هي أساس العمل في السنوات الأخيرة، ولكن هل تنجح الرياض في المواجهة؟