هو صراع ​التمديد​ والتعيين. لا بل هو صراع “المبادئ”. فالتيار الوطني الحرّ متمسّك بمبدأ رفض التمديد أيًا يكن، وتيار المستقبل متمسّكٌ برفض التعيين للقيادات الأولى قبل انتخاب رئيس للجمهورية. وما بين الرفضين قرارٌ طهاه وزير الدفاع وأعدّ كلّ مكوّناته ليُطلق به قطار التمديد الأول المذيّل باسم اللواء محمد خير الذي يُحال الى التقاعد بعد ساعات.

ماذا لو حصل تمديدٌ جديد وهو السيناريو الذي تُقبِل البلاد عليه ومن يحاول التمويه بخلاف ذلك لكاذبٌ مضلّل؟ وماذا بعد سقوط الأسماء الثلاثة التي اقترحها مقبل في الجلسة الحكومية الأخيرة وعدم نيلها العدد المطلوب من الأصوات؟ وماذا بعد التمديدات الأمنية التي يُخشى أن تُمهّد لتمديد برلماني ثالث؟

أقوى الذرائع

بالنسبة الى الرابية، ليست العقدة في قيادة المؤسسة العسكرية أو في شخص العماد جان قهوجي كما يسعى كثيرون الى تظهير القضيّة، وهو ما يحاول رئيس التيار جبران باسيل في مؤتمراته الصحافية كما في دوائره الضيّقة توضيحه كي لا يُساء فهم العماد ميشال عون ابن المؤسسة. ولعلّ الذريعة الأقوى التي يتسلّح بها التيار هذه المرة لرفض التمديد إنما تتجسد في غياب أيّ صلةٍ بين عون وأي عميد آخر يمتلك من الحظوظ البديهية ما يكفي ليكون مشروع قائد جديد للجيش. هي عقدة التمديد في ذاتها ترفضها الرابية من جذورها رغم أنها ارتضت بها على مضض في غير مناسبة ورغم أن نوابها اليوم ممدّدٌ لهم بالقوّة وبالفعل، ومع ذلك يبدو ذاك الخيار مرًا على البرتقاليين الذين لم يحسموا تحرّكهم حتى الساعة إزاء أي تمديد سيحصل لا سيما في قيادة الجيش، علمًا أن الحسم قد يكون في أوّل اجتماعٍ للتكتّل لا سيّما أنه سيعقب تأجيل تسريح اللواء خير بقرار إداري. وفي هذا المضمار، يبدو القرار الذي قد يتّخذه التيار ضبابيًا حتى بالنسبة الى أبناء الدائرة الضيّقة، بيد أن عارفي نهج التيار وتوجّهاته يغمزون من قناة سيناريوهين: إما الارتضاء به على مضض مع تسجيل اعتراضٍ شديد اللهجة أقله أمام الجمهور العريض الذي اعتاد رفض الرابية لشتى أشكال التمديد، وإما التوجّه الى طعنٍ يعرف العونيون جيدًا أنه لن يجدي نفعًا كما سابقه الراسب في المجلس الدستوري لذرائع أمنية، ولكنهم يكونون بذلك قد سجّلوا موقفًا دستوريًا يتناسب مع ارتقائهم بمبدأ رفض أي تمديد في المطلق.

سيناريو من اثنين

لا هواجس تمديديّة متعلّقة بالمجلس النيابي تستوطن الرابية وإن كان كثيرون يلمحون بحذر الى أن التمديدات الأمنية ما هي سوى مقدّمة واضحة وصريحة لتمديدين آخرين: تمديد نيابي ثالث وتمديد الشغور الرئاسي. فلدى البرتقاليين ثقة تامّة بأن الجميع مقتنعٌ بضرورة إجراء هذه الانتخابات في موعدها على أساس قانون غير “الستين”. وتتسلّح الرابية بموقف حلفائها في هذا المجال من حزب الله والقوات اللبنانية وحتى حركة أمل لتسرّع عجلة بحث القوانين كي لا يحين الموعد ويُفرَض واقعٌ من اثنين: إما التمديد المحتوم وإما السير بانتخابات على أساس القانون ساري المفعول أي الستين. وفي هذا المجال لا يبدو التمديد النيابي قابلًا للنقاش حتى في كواليس الرابية التي ضمنت إجراء الانتخابات من دون أن تضمن طبيعة القانون الذي ستُجرى على أساسه.

صراع أولويات

تختلف هواجس الرابية عن اعتبارات بيت الوسط. فمن جهةٍ يخرج وزير الداخلية والبلديات منذ ساعاتٍ ليؤكد أن أي تعيين يجب أن يسبقه انتخابٌ لرئيس الجمهورية، ومن جهةٍ أخرى لا تترك مصادر المستقبل مناسبةً إلا وتؤكد فيها أولويّة انتخاب رئيس للجمهورية من باب الحرص على المركز الأوّل في البلاد، قبل أن تُسهِب في ربط انتخابه بعدم الإقدام على أيّ تعيين في حضرة غياب الرئيس. وفي هذا الإطار، يهزأ مصدرٌ حكومي من “حرص المستقبل الطارئ على موقع الرئاسة، وهو الذي كان شريكًا في قراراتٍ حكومية عدة اتُخِّذت في ظلّ غياب الرئيس ومن شأنها أن تحجم مكانته وهيبته من دون أن يحرك وزراؤه ساكنًا أو أن يتنبّهوا الى فكرة عدم جواز اتخاذ مثل هذه القرارات بالصلاحيات المنوطة بمجلس الوزراء مجتمعًا ولو لم يكن يومًا كذلك لا سيّما متى استلزم القرار إجماعًا.

محاولة تمويهية

محاولة “المستقبل” التمويهية يقابلها تردّدٌ وحذرٌ في مواقف الأحزاب والتيارات الأخرى إزاء التمديد. فليس حزب الله من سيعترض على التمديد وهو الذي يناسبه في هذا التوقيت بالذات ألا يُحدِث أيُّ تعيين زوبعة في فنجان أولوياته القتالية في سورية، ولا الرئيس نبيه بري من سيعترض وإن كان باحثًا في الآونة الأخيرة عن عدم إغضاب العماد عون وتعبيد الطريق الى عودة العلاقة طبيعية بينهما رغم قناعته الضمنية بأن التمديد لقهوجي ضمانةٌ موقّتة، ولا النائب وليد جنبلاط المُهدّد من الإرهاب والشريك الرئيس في التمديدات السابقة سيبدّل رأيه اليوم كرمى عيني باسيل أو لحساب أسماء لا يعرفها، ولا القواتيون سيجعلون منها معركتهم وهم خارج السلطة في الأساس رغم تماهيهم المُطلَق مع موقف حليفهم الماروني. وحده التيار الوطني الحرّ سيجد نفسه مغردًا خارج سرب التمديد من دون أن يعني ذلك إقدامه على خطواتٍ طائشة لم يُقدِم عليها عندما كانت الصورة أكثر تعقيدًا وصعوبة.

أفق أكثر ضبابية

يبدو أن الهمّ حليف الرئيس تمام سلام بحيث لا يفارقه ويزرع في نفسه كثيرًا من بذوره في جلسةٍ عادية فكم بالحريّ في جلسةٍ ستشهد تمديدًا مزدوجًا لقائد الجيش ورئيس الأركان اللذين يحتاج إبقاؤهما في الخدمة قرارًا حكوميًا إجماعيًا بخلاف اللواء خير الذي يصمد في مركزه بشطبة قلمٍ من مقبل. حكمًا لن تكون تلك الجلسة عادية لا سيّما في ظلّ اعتراض التيار الشديد على أن يكون شريكًا في أي تمديد، وعليه قد تحمل المشهدية إما انسحابًا دراماتكيًا للتيار ليرمي بذلك تهمة التمديد على من تبناها أولًا وبقرارٍ غير إجماعي ثانيًا، وإما أن يحتدم الصراع ويُرجأ البتّ في الملفّ فيكون الأفق أكثر ضبابيةً.