بدأ "التيار الوطني الحُرّ" تنفيذ تصعيده السياسي التدريجي، باعلانه بلسان رئيسه وزير الخارجية ​جبران باسيل​ مُقاطعة جلسة مجلس الوزراء المُقبلة، في محاولة لأن "تتوقف عن مخالفة القانون". فما هي أسباب التصعيد "العوني"؟

لقد أرجأ "العونيّون" تصعيدهم مرارًا وتكرارًا، حيث سبق لهم أن هدّدوا أكثر من مرّة بالتصعيد، عشيّة كل من التمديد للمجلس النيابي والتمديد للقادة الأمنيّين والتحضير لعقد جلسة نيابيّة تشريعيّة، ثم جرى حلّ الأمور "على الطريقة اللبنانيّة" عبر تأجيل هنا وتسوية جزئية هناك ووعد كلامي هنالك. لكن هذه المرّة، التهديد "العَوني" يختلف عن سابقاته، لأنّه لم يعد أمام "التيّار الوطني الحُرّ" الكثير ليخسره، ولأنّ الوقت يضيق بالنسبة إلى أفق الملفّات العالقة. ويريد "التيّار" من تصعيده الحالي الذي يُتوقّع له أن يتدرّج صعودًا هذه المرّة في حال عدم التجاوب مع المطالب، تحقيق سلسلة من الأهداف أبرزها:

أوّلاً: الإستفادة من دوره المركزي على صعيد التمثيل السياسي المسيحي داخل الحكومة، حيث أنّه بفعل غياب حزب "القوات" عن الحكومة من بداية الطريق، وبعد إستقالة حزب "الكتائب" المُستجدّة (بغضّ النظر عن عدم إمتثال الوزير الكتائبي السابق سجعان قزّي والوزير الحليف رمزي جريج بهذه الإستقالة)، فإنّ عدم مُشاركة كل من وزيري "التيّار" في جلسات الحكومة يُفقدها "الميثاقيّة" المُتمثّلة بغياب الأحزاب المسيحيّة الثلاث الكُبرى، مع إحتمال كبير لعدم مُشاركة ممثّل حزب "الطاشناق" أيضًا. ويرغب "التيّار" بالتشديد على هذه النقطة كورقة ضغط يملكها لتمرير مطالبه، وفي حال أصرّت الحكومة على الإنعقاد بغطاء من "تيّار المردة"، إضافة إلى بعض الوزراء المسيحيّين المُصنّفين نظريًا "مُستقلّين"، فإنّ "التيار الوطني الحُرّ" سيُصرّ على رفض أيّ قرارات تصدر عنها وعلى التشكيك بميثاقيتها وحتى بدستوريّتها.

ثانيًا: محاولة قطع الطريق على قرار التمديد لقائد الجيش اللبناني العماد ​جان قهوجي​ مرّة جديدة، لأنّ تعيين قائد جديد يُخرجه من مُعادلة رئاسة الجُمهوريّة، علمًا أنّ "التيّار" مُتنبّه تمامًا إلى أنّ أكثر من طرف داخلي وخارجي يعمل على إبقاء فرص العماد قهوجي قائمة لتولّي منصب رئاسة الجمهورية عندما تتأمن ظروف تسوية جديدة شبيهة بما حصل في العام 2008، يوم سقطت الوعود بإيصال العماد عون لصالح تعيين قائد الجيش السابق العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية ضمن تسوية شاملة طالت في حينه الحكومة وقانون الإنتخابات النيابيّة.

ثالثًا: يهدف "التيّار" من خطواته التصعيديّة أيضًا قطع الطريق على إستمرار سياسة التسويف والمُماطلة التي تنتهجها أكثر من جهة سياسيّة داخليّة، بهدف تمرير الوقت وُصولاً إلى الخريف المقبل، أي إلى حين سُقوط أولويّة رئاسة الجمهوريّة لصالح تقدّم ملفّ الإنتخابات النيابيّة تلقائيًا إلى المرتبة الأولى، مع وضع الأطراف جميعها أمام خيار التمديد للمجلس النيابي الحالي لولاية ثالثة أو إجراء الإنتخابات النيابية وفق القانون القائم حاليًا، بسبب عدم التمكّن عندها من إعتماد قانون جديد بفعل إعتبارات مُرتبطة بالمهل القانونيّة والدستورية التي تستوجب دعوة الهيئات الناخبة قبل ستة أشهر من موعد الإنتخابات المُفترض في نهاية ربيع العام 2017. وبالتالي، يُحاول "التيار" قطع الطريق من اليوم على محاولات إجراء الإنتخابات النيابيّة المقبلة وفق "قانون الستين المُعدّل"، بعد ملاحظة مساعٍ جدّية وواسعة لذلك، وبعد تسجيل تحالفات من تحت الطاولة لضرب "التيّار" و"القوات" عبر القانون غير المُنصف الذي يُعطي الكلمة الفصل للناخبين المسلمين في الكثير من الدوائر، بالتحالف مع "زعامات" مسيحيّة مناطقيّة في بعض الأماكن، ومن دونها في أماكن أخرى.

رابعًا: يهدف "التيّار" من تصعيده التدريجي المُرتقب تحويل مُعارضته من موقف حزبي يخصّه إلى موقف مسيحي واسع، على أمل أن تنضم إليه أطراف أخرى في أيّ خطوة تصعيديّة مُقبلة، وفي طليعتها حزب "القوات اللبنانيّة" في حال قرّر "التيّار" النزول إلى الشارع ردًّا على أيّ محاولة لإبقاء الأمر الواقع الحالي قائمًا، وفي حال تمرير قرار تمديد ولاية العماد قهوجي حتى في حال قاطع "التيّار" الجلسة الحكوميّة المُقرّرة لذلك، علمًا أنّ "القوات" تُفضّل خيار التمديد على الفراغ الأمني، ولا تزال مُتردّدة جدًّا بالإنضمام إلى أيّ تصعيد في الشارع.

في الختام، لا شك أنّ الوضع السياسي المأزوم مُرشّح للتصعيد في الساعات والأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، لأنّ الإحتقان المُتراكم بلغ ذروته. ولا شكّ أنّ مساعٍ جدّية تجري في هذه الأثناء لمحاولة كسب الوقت، عبر تأجيل جلسة "الخميس"، أي عمليًا عبر تأجيل "المُشكلة" لبضعة أيّام. لكن في المُقابل، إنّ الراغبين بالإبقاء على فرص ترشيح العماد قهوجي كُثر، والراغبين بإنهاء آمال العماد عون بالرئاسة كُثر أيضًا، ولوّ تحت عناوين برّاقة مثل منع الفراغ الأمني وعدم شلّ البلد، إلخ. والأيّام المُقبلة ستُوضح إتجاه عمليّة شدّ الحبال الحاليّة...