أحسنت تركيا استخدام "بطاقة" المعارض ​فتح الله غولن​ (المتهم بأنه العقل المدبر للإنقلاب الفاشل)، فأحرجت بذلك الولايات المتحدة الأميركية، وجعلتها ترضخ للطلب التركي بالتدخّل بشكل مباشر في عملية تحرير ​جرابلس​ من قبضة تنظيم "داعش"، وما سيتبعها من تحرير مناطق اخرى غرب الفرات من كافة المنظمات التي تعتبرها تركيا بأنها منظمات إرهابية، وبذلك تقطع الطريق على الأكراد الساعين إلى قيام كانتون كردي على الحدود الجنوبية التركية. ولعل زيارة نائب الرئيس الأميركي جون بايدن تصبّ في خانة وضع النقاط على الحروف في سلسلة تفاهمات جاءت ربما في الوقت الضائع في نهاية ولاية الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​.

وقد جاءت زياة بايدن لأنقرة في وقت شهدت فيه العلاقات التركية الأميركية تصدعاً، باتت ملامحه أكثر ظهورا بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تموز الفائت، تجلت مظاهرها في القلق الأميركي حول مصير أكثر من سبعين رأس نووي موجودين في قاعدة إنجرليك، والتي تم نقل أكثرها باتجاه قاعدة أميركية في رومانيا حسب موقع (SOL الإخباري التركي)، أضف إلى ذلك عدم ارتياح العم سام من التقارب التركي-الروسي (وبالطبع ستكون إيران موجودة في هذا التقارب)، الذي قد يجذب الحليف القوي رويدا رويدا نحو الشرق، وبخاصة أن الولايات المتحدة الأميركية لم تفِ بوعودها لتركيا بإخراج المقاتلين الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية، بعد عبورها غرب الفرات والسيطرة على منبج، ولذلك جاء تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أغلو حين قال بأن على أصدقائنا الأميركيين الوفاء بوعدهم وسحب القوات الكردية من منبج.

لذلك كان لا بد من ارسال شخصية أميركية رفيعة المستوى لترتيب هذه الملفات وبخاصة أن حبر التحقيقات مع الإنقلابيين لم يجف بعد. لكن أكثر ما لفت الانتباه في زيارة بايدن تلك الإجابة المستفيضة له في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين سُئل عن إمكانية تسليم الولايات المتحدة الأميركية لفتح الله غولن فاسترسل كثيرا في الشرح عن الإجراءات القانونية المتّبعة في بلاده لتسليم شخص ما (هذا إن كان متهما) وأن قرار وصلاحيات التسليم عائدٌ للمحكمة وليس لرئيس البلاد، وأنه معجب بالبطولة الخارقة التي أبداها الشعب التركي في مواجهة دبّابات الإنقلاببيين. إجابة رآها البعض في تركيا بأنها أشبه بتبرير ومن منطلق ضعف لا قوّة، وبحسب صحيفة "حريت" التركية التي رأت أن إعلان البنتاغون دعمه للعملية العسكرية التركية في جرابلس، جاء متزامنا مع زيارة بايدن على الرغم من أنها بدأت قبل وصوله بساعات عدّة، لتكون اشبه باللمسة الاخيرة لوضع النقاط على الحروف في التفاهمات السياسية التركية-الأميركية.

ويُحسب لتركيا نجاحها في ملفّ غرب الفرات السوري، فهي استثمرت إعلاميا وبشكل ناجح العملية الإرهابية التي حصلت في حفلة حِناء لعرس كردي في مدينة غازي عنتاب، وكان المنفّذ طفل لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، واتهمت السلطات التركية "داعش" بتنفيذه. إضافة الى ذلك، برزت التصريحات التي أطلقها كبار المسؤولين الأتراك وأوضحوا فيها بأن النظام السوري طرف في الحوار لحل الأزمة السورية سياسياً، تلك الرسائل لاقت ارتياحاً لدى حلفاء النظام والولايات المتحدة الأميركية التي لم تكن تريد إسقاط النظام وإنهيار الدولة في سوريا، كل تلك الأمور جعلت انقرة تخترق الحصار عليها وتفرض نظريتها في منطقة غرب الفرات.

ربما لم تظهر بعد بشكل واضح المكاسب التي ستجنيها تركيا من زيارة بايدن، ومن العملية العسكرية في جرابلس، لكن المؤكد أنها أظهرت للعالم أنها ما زالت اللاعب الأهمّ في الشمال السوري، وأن الجيش التركي ما زال قويا رغم محاولة الانقلاب الفاشلة. فيحسب لتركيا أنها أنهت العملية خلال ساعات بينما استمرّت أياما وشهورا عند الآخرين.