مع إقتراب موعد الجولة الأولى من الإنتخابات البلدية والإختيارية، يوم الأحد المقبل، من الممكن الحديث عن مجموعة من المعطيات التي ساهمت في تراجع هذا الإستحقاق إلى ما دون المستوى المطلوب أكثر من الدورات الماضية، في ظل الحديث المتكرر عن أهمية المجالس البلدية على المستوى التنموي، لا سيما مع التركيز الدائم، من قبل مختلف الأفرقاء السياسيين، على ضرورة الذهاب إلى تطبيق اللامركزية الموسعة.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ التحدي الأبرز كان الأزمة المالية التي عصفت في البلاد، منذ العام 2019، حيث وجدت غالبية البلديات نفسها دون قدرات ماليّة تسمح لها في أداء الحد الأدنى من واجباتها، ما دفع بالعديد من رؤساء البلديات إلى تفضيل عدم تكرار التجربة، من منطلق أن المهمة تتطلب وجود إمكانيّات مالية شخصيّة ضخمة، في حين تكرست في المقابل معادلة البحث عن رجال أعمال في كل بلدة لتولي المنصب.

بالإضافة إلى تأثير الأزمة الماليّة، ترى المصادر نفسها أنه لا يمكن تجاهل تفضيل غالبيّة القوى السياسية الإبتعاد عن الدخول في معارك مباشرة، حيث سعى معظمها إلى توافقات تقود لفوز المجالس بالتزكية، أو ترك الأمور إلى العائلات التي "تتقاتل" فيما بينها، بشكل ينتقص من قيمة هذا الإستحقاق الذي من المفترض أن يقوم على أساس برامج واضحة، ويؤدي إلى خلافات من غير المتوقع أن تنتهي في وقت قريب داخل كل بلدة.

من حيث المبدأ، قد يكون من الطبيعي أن تسعى غالبية القوى السياسية إلى الهروب من التورط في هذا الإستحقاق الهام، خصوصاً أن البلاد ستكون، بعد أشهر قليلة، على موعد مع إنطلاق التحضيرات للإنتخابات النيابية، التي ينظر إليها على أساس أنها ستكون مصيريّة، في ظل التحولات التي كانت قد حصلت في الفترة الماضية، لكن في المقابل هناك عوائق أخرى تحول دون قيام المجالس البلدية بالدور التنموي المطلوب منها.

في هذا الإطار، تشدد المصادر المتابعة على أنّ الأبرز قد يكون ربط إقتراع الناخب بمكان قيده في السجلات الرسمية، حيث يكون المواطن مضطراً إلى الإقتراع في قريته أو مدينته، بالرغم من أنه قد لا يكون مقيماً فيها منذ سنوات، وبالتالي ليس لديه أدنى فكرة عن مشاكلها أو عن المرشحين للإنتخابات فيها كي يختار الأنسب منهم، كما أن هذا الأمر من الأسباب التي تحرمه من حقه في الترشح، على إعتبار أنه لن يجد نفسه معنياً في خوض مثل هذه المعركة.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، من الضروري أن يُصار، بعد الإنتهاء من الإستحقاق الحالي، إلى فتح باب النقاش حول إقتراع الناخبين في أماكن سكنهم، أو ترك حرية الإختيار لمن يرغب بذلك في مكان سكنه لا في مكان قيده، خصوصاً أنه يدفع الضرائب والرسوم للبلديات التي يقيم فيها، وبالتالي من حقه أن يشارك في إختيار المسؤولين عنها، لا سيما أن غالبية مجالس البلدات التي تضم سكان من خارجها تحصر إهتماماتها بالأحياء التي يسكنها المقترعون، على عكس ما سيكون عليه الواقع فيما لو كان كل مقيم يملك حق الإقتراع.

في المحصّلة، تشدّد هذه المصادر على أنّه لا يمكن الرهان على أيّ إصلاح في المجالس البلديّة، أو على تعزيز لدورها التنموي في المستقبل، طالما تسيطر على إنتخاباتها العقلية التي تحولها إلى مجالس عائلية أو عشائرية لا أكثر، في حين أن المهمات المطلوبة منها كبيرة جداً، وتضيف: "أما بالنسبة إلى تصويت المقيمين، فمن الممكن وضع ضوابط له، فيما يتعلق بالهواجس التي قد يثيرها، تتعلق بالملكية أو الإقامة لعدد معين من السنوات أو حتى منحهم حق الإنتخاب فقط لا الترشح".