بالنظر إلى المشهد العربي المتأزّم والملَّبد بغيوم النار والبارود، مع خرائط وحدود جديدة في فلسطين واليمن وليبيا والعراق وسوريه ولبنان، مترافقاً مع شلل وغياب كامل للموقف العربي المنقسم بين ولاءات متعددة لا تخدم إلا أعداء الأمة، وأولها "إسرائيل"، سرعان ما يصيبنا الإحباط والخيبة من الحال المذرية التي وصلت إليها الأمة العربية.

إلا أنه، وخلال محاضرة ألقيتُها في مكتبة الأسد بدمشق، بمشاركة جمع من المثقفين والكُتّاب وأصحاب الرأي من كل الأقطار العربية، بعنوان "الفكر القومي في مواجهة الإرهاب"، بعث فينا الأمل وبشعبنا العربي المتعطش للتضامن والانتماء للقومية العربية.

وفي البحث عن الأسباب التي أدّت إلى تراجع الانتماء للفكر القومي العربي، تمّت الإشارة إلى الأسباب الآتية:

1- تراجُع الالتزام بالقضية الفلسطينية يُعتبر عاملاً أساسياً في تراجع القومية، ما أسهم في التقوقع ونشر المذهبية المقيتة والمؤدية إلى التطرُّف وممارسة الإرهاب.

2- ضرورة مخاطبة الشعوب بمعزل عن الحُكام المتواطئين على فلسطين، وعلى مبدأ القومية، لأن معظم الشعوب العربية تُعتبر شعوباً مغلوباً على أمرها؛ مقموعة وممنوعة من التعبير عن أمانيها التواقة لتحقيق القومية الرافضة لكل أشكال التطبيع مع العدو "الإسرائيلي"؛ المساهم الأكبر في الإرهاب.

3- دور المؤسسات الإعلامية في إعادة النظر في الخطاب السياسي يحتل حيّزاً كبيراً في ترسيخ الفكر والانتماء القومي المكافح للإرهاب.

4- المؤسسة الدينية في إعادة ترشيد الخطاب الديني، بحيث يبقى الخطاب ضمن ضوابط الاعتدال في تطبيق الرسالة الدينية السمحة، من غير المسّ بجوهر القومية.

5- تُعتبر العائلة من أهم العوامل التي تساعد على النشأة القومية، فإن الأطفال من سن 3 سنوات إلى سن 12 هم الأكثر تأثُّراً بممارسات العائلة وانتمائها القومي.

6- تنمية وتشبيك مصالح الشعوب العربية الاقتصادية وربطها ببعضها يُسهم في التقارب والارتباط بالقومية بفعالية أكبر ضد الإرهاب.

7- تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد والمظلومية، وتأمين الاستشفاء الصحي، وإيلاء الاهتمام بالشأن المعيشي والتعليمي، خصوصاً التعليم الجامعي الذي يُعتبر من العوامل الناجعة في تحقيق الانتماء القومي المزيل لكل أسباب الإرهاب.

8- إنشاء معاهد للدراسات، متخصصة في تطوير وتعزيز الفكر القومي، من خلال وضع دراسات موثَّقة ومعمَّقة تهدف إلى زيادة الإنتاج في الفكر القومي، والتنبُّه لكل المشاريع المضادة للقومية، والعمل على تعطيلها قبل بلوغها أهدافها.

نحن بحاجة إلى إعادة صياغة خطاب جديد يقودنا إلى وعي جديد بعد هذا الانحطاط الذي وصلت إليه الدول العربية، ليس من أجلنا نحن، بل من أجل أجيالنا القادمة من الناشئة، وجعلها أكثر تمسُّكاً بالهوية القومية كمظلة تتظلل فيها وتحتمي بها.

وفي الختام، نؤكد على أهمية مخاطبة الذهنية العربية بلغة جديدة، ليكون لها بُعد عميق يتفاعل معها المجتمع العربي نحو تعزيز الانتماء القومي في الشكل والمضمون..