طال زمن الأزمة من أشهر معدودات إلى سنوات (بحسب تقدير بعض دول الخليج)، بل ازدادت تعقيداً، بسبب "تصلُّب الأطراف الإقليمية والدولية في مواقفها والتضاد في المواقف فيما بينهما بين الفريق الواحد"، و"التدخُّل العسكري المباشر لتلك القوى الدولية على خط الأزمة السورية"، والتي بدأتها أميركا بتشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وساهمت في الوقت نفسه في دعمه، الأمر الذي دفع بروسيا إلى التدخُّل العسكري المباشر للقضاء على "داعش" و"النصرة"، بعد أن كان تدخُّلها في البداية سياسياً، لأنها أدركت أنه سيشكّل خطراً على الأمن القومي الروسي، وحسب كلام مستشار الأمن القومي الروسي فإن "أمن سورية من أمن روسيا، وأي حماقة تُرتكب على الحدود السورية ضد النظام تعني الدمار الكامل للبلدان المتورطة في ذلك".

كان للتدخل الروسي المباشر، وبالتعاون مع الجيش السوري، دور كبير في إضعاف "داعش" و"النصرة"، واستعادة العديد من المناطق التي احلتهما، خصوصاً في حلب؛ المنطقة الأساس في تعديل موازين القوى على الأرض، فأسرعت أميركا لطلب الهدنة، بعد شعورها بالتهاوي الكبير للمعارضات المسلحة، واتفقت مع روسيا على وقف إطلاق النار في مناطق المعارضة، ما خلا المناطق التي توجد فيها "داعش" و"النصرة"، واستغلت أميركا هذه الهدنة وقامت بدعم "النصرة" و"داعش" والفصائل الأخرى من خلال تركيا، فخرقوا الهدنة من أجل استعادة ما فقدوه، وعملت أميركا بعدها على تطهير المناطق من "داعش"، مستعينة بقوات "سورية الديمقراطية"، وركيزتها الأكراد، بعد التلميح لهم بدولة مستقلة، كي تصبح ضمن مناطق الهدنة.

سيطر الأكراد على منبج، فخافت تركيا من التمدُّد الكردي إلى جرابلس؛ منطقة نفوذ "داعش"، الأمر الذي يساعدهم في السير بمشروعهم الانفصالي"، ما اضطرها إلى التدخُّل العسكري بالدبابات والجيش عبر الحدود، وعبر دعم مجموعات قتالية من "الجيش السوري الحر" لقتال "داعش" والسيطرة على جرابلس، ودعوتها الأكراد إلى الانسحاب من منبج، لمنعهم من وصل المنطقة من عين العرب في الشرق إلى عفرين في الغرب، مروراً بمنبج.

بعدها تراجعت أميركا عن دعم استمرار توغُّل الأكراد في المنطقة، فقال بايدن إن "القوات الكردية السورية ستخسر دعمنا ما لم تنسحب إلى شرق الفرات".

أعربت روسيا عبر وزارة خارجيتها عن قلقها الشديد من التدخُّل التركي في سورية، مشددة على "ضرورة أن تنسّق أنقرة مع دمشق على صعيد مكافحة الإرهاب على حدود سورية"، أما إيران فمنذ بداية الأزمة السورية عملت على تنسيق العلاقة بين النظام والأكراد، وطلبت منهم الدفاع عن مناطقهم ومنع "داعش" و"النصرة" من احتلالها، وفي المقابل أعطتهم الضمانة بخصوصية إدارية.

عمل الأكراد بهذا الاتفاق طيلة الأزمة، إلا أنهم في هذه الفترة عملوا على التحلل من هذا الاتفاق، وذلك عبر الاشتباك مع الجيش السوري في منطقة الحسكة، وعبر التمدد في منبج وجوارها، مستفيدين من الدعم الأميركي لهم في قتال "داعش" في تلك المنطقة.

هذه التطورات الميدانية دفعت بتركيا إلى إعادة طرح "المنطقة العازلة" بين جرابلس وأعزاز على امتداد 90 كلم، وعمق عشرات الكيلومترات، والتي ما تزال الأطراف الدولية ترفضها، والتي أصبح جزء منها تحت سيطرتها بحكم الأمر الواقع، بعد دخولها البري إليها، مع فارق جوهري بأن وظيفة هذه المنطقة، التي تبدّلت من منطقة عازلة لمواجهة النظام السوري إلى منطقة عازلة لمواجهة الأكراد و"داعش".

فعلى أكراد سورية، وفي هذه اللحظات الحرجة، أن يصرفوا النظر عن الفيدرالية أو التقسيم، لأن المناخ الإقليمي والدولي لا يدعم الانفصال، وعليهم أن لا يثقوا بوعود أميركا لهم بالاستقلال عن سورية، لأن مشروعها إذا ما تهيأت الظروف المناسبة له، هو تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وليس إعطاء الحقوق لشعوبها؛ كي تصبح دولاً ضعيفة وعاجزة عن مقاومة "إسرائيل" التي احتلت أرض فلسطين.