حثّ رئيس المجلس العام الماروني، الوزير السابق ​وديع الخازن​ على وجوب التفاهم على رئيس توافقي يحظى بتمثيل شعبي وازن ويرضى عليه أطراف الداخل، لافتا الى وجود قرار يتمسّك به رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة ​تمام سلام​ يقضي ببقاء الحكومة مهما حصل من محاولات لتجويفها من أي فاعلية وشل قدرتها على مواجهة الأزمات التي تتطلّب رعايتها لمصالح الناس، سيما وأنها شُكّلت على شعار مراعاة "المصلحة الوطنية العليا".

واعتبر الخازن في حديث لـ"النشرة" ان "المؤشّرات الخارجية، دوليًا وإقليميًا، شكّلت تعقيدًا بعيدًا عن أي مقاربة في إيلاء الملف الرئاسي العناية التي يستحقها، ومردُّها إلى التجاذبات الداخلية المتفاعلة معها داخليًا، بإعتبار أن الخيار الرئاسي يبقى مرتبطًا بالمرحلة التي يجري فيها"، لافتا الى ان "هذا لا يعني أن ليس بإمكان القيادات والقوى اللبنانية أن تنتخب الرئيس العتيد بمحايدة لهذه الظروف الضاغطة إذا ما تمّ التفاهم بين المعنيّين على رئيس توافقي يحظى بتمثيل شعبي وازن ويرضى عليه أطراف الداخل، وهو ما حاول نبيه بري تأمينه في جلسات هيئة الحوار الوطني المتتالية لينزع فتيل أي عائق خارجي برغم أنه اعتبر قبل ذلك أن أي إنفتاح إيراني-سعودي يساعد كثيرًا في هذا السبيل". واضاف: "البطريرك الماروني ​مار بشارة بطرس الراعي​ لا يترك مناسبة إلا ويلحّ على إجراء الإنتخابات الرئاسية ويلاقيه رئيس المجلس النيابي مؤكدا إستعداده في أي لحظة لعقد الجلسة الموعودة، شريطة التوصل إلى تفاهم مسبق يسهلّها وهي التي تأخرت ولا من يحرك ساكنا". ورأى أن "من أخطر ما يواجهنا اليوم، هو هذا الفراغ القاتل الناتج عن خلو الرئاسة الأولى من رئيس يتمتع بمزايا وطنية جامعة، ويجسد رغبات أكثرية اللبنانيين الساحقة الطامحين إلى الإطمئنان على مصيرهم".

مصالح سياسية واقتصادية

واذ شدّد الخازن على وجوب عودة لبنان الى موقعه التاريخي كـ"دولة عربية، خصوصًا أنّه من أول مؤسسي الجامعة العربية، وكان قبل سنة 1975 يلعب دائماً دور الوسيط والمصلح بين أشقائه العرب"، اعتبر أن "هذا الأمر لا يمنع من أنّ له مصالح سياسية واقتصادية مع دول أخرى تلعب دوراً مهمّاً في السياسة الدولية كدول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وتركيا طبعاً بالإضافة إلى الدول العظمى.. لذلك على لبنان أن يكون حاضراً دائماً في المؤتمرات لتأمين مصالحه أولاً، ومساعدة الآخرين على إنهاء الخلافات بينهم وحلّ النزاعات بالطرق السلمية".

أزمة مالية؟

ونبّه الخازن من أنّه إذا ما إستمرّت أحوال البلاد على حالها من ألاّ يبقى حاكم مصرف لبنان المركزي ​رياض سلامة​ متمكّنًا من ضبط مخاطر إندلاع أزمة مالية قبل نهاية هذه السنة تقضي على آخر رمق من لقمة العيش الكريم. وقال: "إذا كان تبقى لنا من مناعة مالية بحكم الضوابط الإقتصادية التي يتبعها حاكم مصرف لبنان، فأحرى بنا أن نحافظ على هذا الشرط لحماية لقمة العيش. فلقد تمكّن سلامة من تجاوز أخطر إمتحان واجهته دول العالم منذ بضع سنوات إثر الحرب الأميركية على العراق عام 2003 ونجا من شرورها وإنعكاساتها السلبية على الأوضاع المالية والإقتصادية في البلاد، فلماذا لا نحرص معه على ما تبقى لنا من عافية على المتانة المالية لليرة اللبنانية التي تحمي جميع كل اللبنانيين من الآثار السلبية على المعيشة والإقتصاد". وأضاف:" رحمة بهذا الحصن المنيع لبقاء الدولة المفرّغة من أهم موقع سياسي في لبنان في رئاسة الجمهورية ريثما تحل لحظة الفرج، لا بد من تخفيف أعبائنا على حركة الإقتصاد بما يساعد المسؤولين على تفادي التأزيم المتصاعد والمنذر بخطر مستطير".

اللجوء الى قوة الناس؟

واشار الخازن الى أنّه "نتيجة ما سمعه بري من تداولات أثناء جلسة الحوار الأخيرة، رفع الصوت عاليًا في ذكرى الإمام المغيّب موسى الصدر في صور مُحذّراً الجميع من تجاهل الدعوات التي أطلقها لإنتخاب رئيس للجمهورية ضمن سلّة متكاملة تتضمّن الإتفاق على قانون إنتخابي يؤّمن التمثيل الصحيح وشكل الحكومة الجديدة، تفاديًا لأي إنتكاسة وطنية في وجه الرئيس وقدرته على لملمة شتات الدولة وتنظيم آليات الحكم تنفيذيًا وتشريعيًا"، وتساءل: "ألا تكفينا الأزمات المستفحلة في البلاد والفراغ القائم في السلطتين التنفيذية والتشريعية الذي يشجّع "كل مين إيدو إلو" لتعميم فساد لم يشهده أيّ عهد وفي عزّ الحروب التي عصفت بلبنان، فضلاً عن أزمة الكهرباء والمياه وأزمة النفايات التي تهدّد صحة المواطنين، ناهيك عن التلوّث المائي في أنهر لبنان كالليطاني جنوبًا وأبي علي شمالاً لتشكّل قرع ناقوس الخطر في ظل حلّ منقذ لكل هذه الملفات في الشروع بالتنقيب عن النفط والغاز بمياهنا الإقتصادية الخالصة؟" واردف "لا غرابة أن يطلق رئيس المجلس النيابي الإنذار الأخير بالإحتكام إلى "قوة الدستور" لتأمين إنتظام عمل المؤسسات لوقف هذا النزيف من خلال إنتخاب رئيس للجمهورية قبل "أن يسبقنا السيف العذل" باللجوء إلى "قوة الناس".

الأمور تحت السيطرة والاحتواء

وردا على سؤال، أشار الخازن الى ان ما سمعه من أمين سر الدولة للعلاقات الدولية وزير خارجية الفاتيكان المونسنيور ​بول ريتشارد غلاغير​ ومسؤولين آخرين عن السعي الفاتيكاني المتواصل حتى اليوم مع المراجع الدولية المؤثّرة، "يدعو إلى الإطمئنان على إبقاء وضع لبنان في مأمن مِمّا يجري من حوله، وإعطاء جرعات أمل للحفاظ على الحضور المسيحي عامةً في دول المشرق ولبنان خصوصًا، بإعتباره ركيزة أساسية يستند إليها قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس في إقناع المسؤولين الدوليين بأهمية إيلاء الموضوع الرئاسي في لبنان العناية الفائقة لإنتخاب الرئيس العتيد، لأنه يشكّل ضمانًا مطلقًا لمقدمة الدستور في بوتقة يتعايش فيها المسيحيون والمسلمون بوئام وسلام".

وعن الجدل القائم على ميثاقية جلسات مجلس الوزراء، في ظل تغيّب وزيرَي مكوّن فاعل فيها، إعتبر الخازن أنه "يشبه إلى حد بعيد يوم خرج الوزراء الشيعة من حكومة فؤاد السنيورة، ومع ذلك إستمرّت الحكومة، لأنه كان ثمة قرار دولي وإقليمي بعدم إسقاطها". واضاف: "أعتقد، بما أعرفه عن رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون من حرص على مؤسسات الدولة وعلى مصالح المواطنين، يدفعني إلى القول أن لا خشية من تردّي العلاقات والمعالجات السياسية إلى درجة من الخطورة ما دام بري وسلام لا يتركان الأمور تخرج عن السيطرة والإحتواء".