اشار "الاخبار" الى ان شهر تموز الماضي سجّل زيادة بنسبة 47% في عدد ​العراق​يين الوافدين إلى ​لبنان​، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. مؤشر بسيط، ولكنّه يكفي للدلالة على ما يسميه البعض موجة "السياحة العلاجية في لبنان". هذه الموجة تدرّ أرباحاً طائلة على المستشفيات والأطباء ومراكز التجميل، لذلك تشهد "سوق الصحّة" تنافساً على حساب حقوق المقيمين، إذ صارت المستشفيات تفضّل سائحاً يدفع "كاش" بدلاً من مواطن خاضع، وكذلك على حساب حقوق المرضى العراقيين، الذين يقعون، في الغالب، ضحايا الاحتيال ونفخ الفواتير. فمنذ فترة، صار "عدّاد" مطار بيروت يُحصي هؤلاء، من ضمن المراتب الخمس الأولى، تماماً كما صار يحصيها سائقو "الخطّ"، الذين باتوا يعوّلون في لقمة عيشهم على الوافدين الجدد نسبياً، مقارنة بالسيّاح السعوديين والإماراتيين.

نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون اشار الى إن "العراقيين يمثلون الحصة الأكبر من حجم هذه السياحة". يعدّد هارون أسباباً كثيرة لهذا التوافد، منها ما يتعلّق بالواقع الطبي والأمني في العراق "حيث تعاني المستشفيات هناك نقصاً كبيراً في الكادر الطبي والمعدات أيضاً، كذلك دُمِّر الكثير من مؤسساته الطبية، وبالتالي لم تعد تلك المؤسسات قادرة على استيعاب الحالات الطبية التي تحتاج إلى طبابة خاصة، وهو ما يمكن أن توفره مستشفيات لبنان". يقول هارون ذلك، مستنداً إلى دراسات عالمية، منها مثلاً إحدى الدراسات التي تقول إن "نحو 70% من الكادر الطبي ترك العراق". إلى كل ذلك، يضيف رئيس الهيئة الوطنية الصحية، إسماعيل سكرية، سبباً إضافياً، هو "انتشار" مرض السرطان في العراق "بسبب اليورانيوم، حيث بلغت النسبة في جنوب العراق وحده في أواخر التسعينيات ما يزيد على 100 ألف".

هذه الأسباب جعلت من لبنان وجهة أساسية للعراقيين. بحسب نقيب الأطباء، هناك "150 إلى 200 حالة يومياً، غالبيتها من العراقيين". وباحتساب لتلك النسبة، يقول هارون إنّ "المستشفيات تستقبل سنوياً ما لا يقلّ عن 40 ألف حالة استشفاء"، وإن كان الرقم لا يزال أقل من المطلوب، إذ تستطيع المستشفيات اللبنانية "استيعاب نحو 200 ألف حالة استشفائية سنوياً". كان سيحصل هذا بـ"قعدة بين القطاعات المعنية". لكن ذلك لم يحصل. مع ذلك "يأتي العراقيون" للعلاج. وتحت هذا العنوان، يقسّم هارون وجهة العلاج إلى قسمين: الأول، وهو المتعلّق بـ"السياحة التجميلية، وهي ناشطة، ولكنها تجري في الغالب خارج المستشفيات، وغالباً بشكل مخالف للقانون". أما القسم الثاني، فهو المتعلّق بـ"السياحة الطبية العادية، وغالبية العراقيين الوافدين يأتون إلى المستشفيات اللبنانية لإجراء العمليات الجراحية الدقيقة، مثلاً قسطرة شرايين القلب أو جراحة العظم (ركبة، أوراك)، أو لتلقي العلاجات الكيميائية لمرضى السرطان". وفي الشق الأخير من العلاجات، يدخل العراقيون إلى المستشفيات "وفق نموذجين: إما الدفع النقدي (الكاش)، وهي الفئة الغالبة، وإما عبر عقود واتفاقات مع ​وزارة الصحة​ العراقية أو شركات خاصة".

يتحدث وزير الصحة السابق ​محمد جواد خليفة​ عن تجربته مع وزارة الصحة العراقية، "حيث كنت أول من بدأ ببلورة فكرة السياحة العلاجية، وتحديداً مع العراق، ونشأت حينذاك (عام 2008) العقود ما بين وزارة الصحة العراقية ووزارة الصحة العامة، من خلال مستشفى بيروت الحكومي، الذي كان يستقبل المرضى العراقيين وعائلاتهم أيضاً، حيث كان هناك ما يشبه الأوتيل في المستشفى لتأمين إقامة هؤلاء، وكان المستشفى يتلقى خلالها ما بين 600 مليون و800 مليون ليرة لبنانية سنوياً". ولكن، هذه انتهت، ونشطت الحركة العراقية نحو المستشفيات الخاصة، بين تلك التي نشأت على فكرة السياحة العلاجية، وهنا يعطي هارون مثالاً مستشفى "CMC" (مستشفى كليمنصو)، "فهذا الأخير متميز بأطبائه واختصاصاتهم وخدماته الفندقية أيضاً"، وهناك مستشفيات "اجتهدت" لإبرام عقود مع جهات رسمية عراقية أو شركات خاصة تتكفل بكل تفاصيل رحلة المريض، بما فيها دفع مستحقات المستشفيات.