أن تُصاب ​هيلاري كلينتون​ بالإعياء الشديد وتغادر المناسبة الرسميّة التي كانت تشارك فيها في الذكرى الخامسة عشرة لهجوم 11 أيلول الإرهابي؛ لا شكّ أنّه أكثر من وهن جسدي سببه التهاب رئوي؛ كما تناقلته وسائل الإعلام.

المرشّحة للرئاسة الأميركية تُدرِك تماماً أنّ احداث 11 أيلول الدموية كما غيّرت سياسة أميركا الدولية؛ أو بالحري، سرّعتها؛ فالأحداث عينها اليوم تلعب دورا أساسياً في السياسة الأميركية المقبلة الدولية، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط؛ ما يحتّم غربلة أدوار مع حلفاء أميركا بأقلّ ضرر ممكن.

مَن يقرأ مذكرات كلينتون في كتابها "خيارات صعبة" واعترافاتها بالأخطاء الكثيرة تارة والتقصير طوراً في السياسة التي انتهجتها الإدارة الأميركية في منطقتنا العربية؛ يتيقنُ من أنّ الضغط النفسي الذي تواجهه اليوم الرئيسة المُحتملة لأميركا لا شك أنّه يسبّب أكثر من إعياء و مرحلتها "صعبة".

في زمن الإرهاب والحرب عليه وتزامناً مع احداث 11 أيلول، يوافق مجلس النواب في الكونغرس الأميركي على مشروع قانون سُمِّي قصداً وليس عبثاً طبعاً "العدالة ضد رعاة الإرهاب". كان مجلس الشيوخ قد صوّت ووافق عليه بالإجماع.

إنّه قانون يعطي كامل الحقوق للناجين ولأهالي ضحايا هجوم 11 أيلول بمقاضاة المملكة العربية السعودية كدولة أمام القضاء الأميركي.

سيُحال هذا القانون إلى الرئيس الأميركي باراك اوباما. أمامه ثلاثة خيارات ضمن مهلة عشرة أيام من تاريخ الإستلام: إمّا يُصادق عليه فيصبح القانون نافذا وساري المفعول او يهمله في حال استشعاره الحرج فيصبح نافذا أيضاً، أو يرفضه مستخدماً حق النقض (الفيتو) ويحيله مجددا إلى الكونغرس للتصويت عليه بمجلسيه.

عند اكتساب التصويت الثاني ثلثي أصوات الأعضاء، يصبح القانون نافذا ولا حق او صلاحية لرئيس البيت الأبيض بوقف نفاذه.

حتماً، سيُعاد هذا القانون للكونغرس لطرحه على التصويت مجدّدا. فالرئيس اوباما كان قد أكّد لشبكة "سي بي أس نيوز" منذ خمسة أشهر أنه سيستخدم حق الفيتو عليه. وقد عاد وأكّد ذلك في البيت الأبيض يوم الجمعة الفائت.

اللافت أنّ هذا المشروع تقدّم به سيناتوران من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأول يُدعى جاك شومر والثاني جون كورنين. فهما رغم اختلافهما السياسي توافقا على هذه المسألة بعد أن سرَّبا أن بحوزتهما تقريراً سرياً لوكالة الإستخبارات الوطنية مؤلفًا من 28 صفحة؛ نُظّم في العام 2002 يُدين السعودية.

إنّه قانون آخر في السنة عينها وفي الكونغرس ذاته يحارب الإرهاب عبر بوابة التشريع.

لكنّ مشروع القانون الذي سبقه واقترح إعتبار تنظيم "الأخوان المسلمين" تنظيماً إرهابياً لَم يؤجّج مواقف مندّدة من مجلس التعاون الخليجي.

فلِمَ يفعل ومعقل "الاخوان المسلمين" السلطوي اليوم هو في تركيا؟

هل تخلّي العرب عن تركيا في هذه المسألة دفع الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ إلى إعادة التموضع مع روسيا وايران ومحاولة الترميم مع سوريا؟ طبعاً إنها مسألة تقلقه ويبحث لها عن حلول.

قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" شكّل صفعةً في العلاقات الأميركية-السعودية.

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير صرّح وبسقف عالٍ من التهديد في نيسان الماضي، قائلاً بأن المملكة ستبيع في حال إقرار هذا القانون مالها في السندات الحكومية الأميركية والتي تبلغ قيمتها 750 بليون دولار حتى لا تتعرض للتجميد. والسعودية بذلك تهدِّد الولايات المتحدة بأزمة مالية قد تنتشر تداعياتها إلى دول عدّة.

سقط التهديد في آبار عميقة. أقرّ الكونغرس القانون.

أعربت دول مجلس التعاون الخليجي عن قلقها من هذا القانون، وأجمعت أنه يخالف المبادئ الثابتة في القانون الدولي ويمسّ بميثاق الأمم المتحدّة الذي رسّخ مبدأ المساواة في السيادة بين الدول. وأكّد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني أن دول المجلس تتطلع الى عدم اعتماد الولايات المتحدة لهذا القانون لما ينتج عنه من مخاطر في العلاقات الدولية والاقتصادية، لتكرّ سبحة الإعتراضات من المواقف الرسمية للدول العربية.

واضحٌ أنها صدمة عربية وبلبلة عالمية.

لا شكّ أنّ نفاذ هذا القانون سيدخل العلاقات الأميركية-السعودية في مرحلة جديدة تكسر الحلف الاستراتيجي السياسي والإقتصادي بين الدولتين أو بالأحرى بين الإدارة الأميركية الجديدة و"النظام" السعودي السائد.

لا شكّ أيضاً أنّ نفاذ هذا القانون سيُدخل العالم في ثورة ثقافية، وقبلها في حرب وجوديّة تنبثق من إشكالية المفاهيم الحقيقية للإرهاب والسيادة والميثاقية وكيفية تحديدها.

فالقانون موضوع السجال الأميركي-العربي اليوم يسمح بمقاضاة أي دولة تعتبرها أميركا إرهابية في قضية 11 أيلول.

من وجهة نظر قانونية، أجد أن الصلاحية الإقليمية قائمة لأي دولة يقع جرمٌ على أراضيها، وذلك بمنح الحق لها وللمتضرر بمقاضاة أي مرتكب للجرم ثبت له دور فيه؛ سواء كان فرداً أو شخصاً معنوياً بما فيه دولة.

وفي حالة الإدعاء على الدول؛ طبعاً لا بدّ من ثبوت ضلوع حكومة ما رسمياً في أحد أركان الجرم موضوع الملاحقة أو ضلوع تابعٍ رسمي لها بذلك؛ منحته الحكومة صلاحيات واسعة سهلت ارتكاب الفعل أو رعته. هنا تسقط الحصانة السيادية.

مبدأ المعاملة بالمثل معقود لأي دولة، فلها أن تشرّع قانونا مماثلا يضمن حماية أراضيها و حقوق شعبها.

أما الدولة المُدّعى عليها فلها كامل الحق بتقديم كل دفوعها بالشكل والأساس، ربما بذلك ينتهي عهد الأحكام الغيابية القضائية والإعلامية باتهام الدول والأنظمة وفق ما تشتهي الرياح السياسية.

قانون يسمح بالمطالبة بالتعويضات المالية يهزّ العالم العربي؛ فكيف بقانون دولي ومحاكمة دولية عادلة تُسقِطُ دولاً؟

للمرة الأولى، شكرًا للكونغرس الأميركي، قياساً على تشريعكم، سنقترح قانونا يسدّ ديون الخزينة اللبنانية ويمنح فائض أرباح ميزانية الدولة. فالمجازر التي ارتكبتها اسرائيل في لبنان أضرارها أكبر بكثير من 750 بليون دولار. فلنقاضِها على أرضنا... اسرائيل ما زالت دون محاسبة... ومعها اليوم دول عدّة "رعاة" الإرهاب تُحاضر بالعفة وترفع راية الحرب على الإرهاب؛ تستحقّ فعلا المحاسبة والمحاكمة والعقاب.

هذا عندما يصبح لدينا سلطة تشريعية ومجلس نواب، وتعود بيروت أمّ الشرائع. إن لَم تستبحنا شريعة الغاب.