ثمة جدل على نطاق واسع في العالم الافتراضي والصالونات السياسية ولدى الرأي العام ومحوره ماذا انجز التيار الوطني الحر من توتير الجو السياسي وتطيير الحوار وجلسات الحكومة، خصوصاً وان المردة وحزب الله في صدد العودة اليها ولولا سفر رئيس الحكومة الى نيويورك فان الرابية كانت لتكون على درجة كبيرة من الاحراج الا ان مغادرة سلام اوجدت المخرج للازمة باستراحة فرضت نفسها على كل المكونات الحكومية. وعليه فان التيار يستمر بتحضير عناصر المعركة التي سيطلقها قريباً وبالحشد والتعبئة الشعبية والتحركات في المناطق بدءاً من 28 ايلول الموعد المحدد لانتخاب عون رئيساً والا... في حين يصعب الجزم في موقف الحلفاء المفترضين بمعركة عون في خيار النزول الى الشارع، فحزب الله الذي خرج من مجلس الوزراء يمانع بضرب الحكومة وسقوطها، في حين تفضل معراب خيارات مختلفة عن الشارع وان كان تفاهمها السياسي مع الرابية يحتم عليها المشاركة والانضمام الى المعركة.

فالتحرك تحت عنوان الميثاقية يفرض نفسه على التيار وهو لن يتوقف قبل تحقيق مسألتين تعنيان الوسط المسيحي وجمهور الرابية وهما قانون الانتخاب والرئاسة الاولى، وعلى ما يبدو فان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير يعول على «تحوّل» يحصل من قبل تيار المستقبل تجاه ميشال عون خصوصاً وان ترشيح فرنجية يواجه صعوبات معضلات كثيرة. ففي اعتقاد الفريق المقرب من الرابية ان الازمة تفاقمت كثيراً ولم يعد لدى عون ما يخسره فاما ربح الجولة الاخيرة واما قلب الطاولة فوق رؤوس الجميع وليس فقط المسيحيون الذين يعانون من التهميش والغبن اللاحق بهم من سنوات من الشركاء في الوطن.

يصر ميشال عون على ان ثمة مخارج داخلية للاستحقاق اللبناني، ويمكن حصر الموضوع الرئاسي بالداخل، فهو يحظى بتأييد ودعم اقوى كتلة مسيحية بعد التيار في معراب وتأييد الحليف الشيعي القوي في الضاحية وبالتالي فان اقناع رئيس المجلس وترتيب الوضع معه ليس بمهمة مستحيلة على حزب الله، في حين ان معراب تخوض فعلاً معركة وصول عون الى بعبدا، فالمعلومات المستقاة من حركة الاتصالات الاخيرة تؤكد ان جعجع رفض مبادرة حملها موفد المستقبل الى معراب النائب غطاس خوري تقضي بالتفتيش عن مرشح تسوية او اسم من خارج الاسماء المطروحة مقابل تخلي الحريري عن ترشيح فرنجية وتخلي معراب عن ميشال عون. وكذلك يعوِل عون على تفلت الحريري من التزام ما مع السعودية بحجة الوضع الداخلي اللبناني والحاجة الى تعويم نفسه سياسياً وشعبياً ولان الاعتقاد السائد ان السعودية لها اولوياتها الاقليمية اكثر من الساحة اللبنانية التي تخسر بها مؤخراً منذ خروج الحريري من السلطة ونكسات وخيبات 14 آذار او الفريق السياسي الذي تدعمه، وبالتالي يمكن للحريري الذي يرغب بترتيب البيت الداخلي للمستقبل ان يوافق على معادلة «رئيس مقابل رئيس» التي تريدها الضاحية والرابية وبموافقة لاعبين محليين وخارجيين. وعودة الحريري الى الخيار الصعب الذي يمثله ميشال عون في قصر بعبدا هو بنظر اوساط سياسية الحل الوحيد للمخرج والا فان التأزم سيصيب كل الوطن فقرار الرابية بالتصعيد لا عودة عنه، وعندما يلوح عون هذه المرة بالشارع لانتخابه رئيساً ورفضا لخرق القوانين والدستور رافعاً شعار الميثاقية فان نظرية انتخابه في جسلة 28 ايلول تصبح قابلة للبحث فالحكومة معطلة وطاولة الحوار لن تنعقد والميثاقية قادرة على تحريك الشارع المسيحي برمته.

من جهة ثانية فان النقاش قائم في تيار المستقبل، وليس لدى الحريري خيارات كثيرة او ما يخسره شعبياً فظاهرة اجتياح ريفي للشارع السني من طرابلس يمكن ان تتمدد وبالتالي فان الحريري مجبر على اتخاذ خطوات تعيده الى السلطة بعد عودته الى لبنان ليمتن وضع تياره المهتز تحت ضربات المعارك البلدية خصوصاً ان الغوص في ازمة المستقبل اثبت ان غياب الحريري وابتعاده عن السلطة افقده عناصر الجذب والقوة في تياره وعلى الساحة الداخلية، كما ان ظاهرة ريفي لا يمكن ان تتطور اكثر في حال عاد الحريري الى السراي حيث سيضع كل ثقله السياسي والحزبي لانهاء المتمردين على زعامته. وخلاصة القول ان الحريري اذا سار في خيار عون فان ذلك لا يعني تنازلاً انما لأن الظروف املت هذا الخيار وضمن نظرية «مجبر اخاك لا بطل».

اما احدى العقد الاخرى الموضوعة في طريق عون الى بعبدا والمتمثلة بعين التينة فان معارضة بري لها مفاتيحها لدى حزب الله، وعليه يكمل عون في مشوار التصعيد الذي يشكل محطة مفصلية في تاريخ عون السياسي، فاما خسارة معركة اخرى بعد معارك التمديد واما الوصول الى بعبدا ورفع الغبن عن المسيحيين وتحقيق الميثاقية. اما في حال اخفق التيار في انتفاضته بايصال عون الى بعبدا في جلسة 28 ايلول وفرض التسوية المحلية بين اللاعبين المحليين، فان التيار سيهدم الهيكل فوق رؤوس الجميع وسيكون خيار الشارع المتنفس الوحيد لتحقيق المطالب وسيكون غير آبه بالتهديدات او التهويلات بان التصعيد يقود الى الحرب الاهلية او الداخلية فهي ليست المرة الاولى التي تسقط فيها حكومات او تواجه مقاطعة ورفضاً من القوى السياسية ولن تكون الاخيرة بالتأكيد.