بين نفي لقاء باسيبل والحريري في باريس وتأكيد على حصول اللقاء وبين تحرك مجموعات من تيار المستقبل بتوجهات مختلفة ومتناقضة في الاستحقاق الرئاسي ازاء تأييد ترشيح العماد ميشال عون، ومع تلويح التيار الوطني الحر «بالشارع الكبير» يدخل الاستحقاق الرئاسي المرحلة الحاسمة والاكثر دقة في تاريخه، فميشال عون حضر شارعه للتحرك وما بعد جلسة 28 لا يشبه ما قبله، وسعد الحريري يدور في دوامة لا يعرف الخروج منها، فهو يريد ضمناً العودة الى السراي لتحسين وضعه الداخلي لكن العودة الى السلطة شيىء ووصول عون الى قصر بعبدا امر آخر، خصوصاً وان السير بخيار عون يواجه معارضة شرسة من فريق اساسي في تياره وجمهوره، وعليه يشهد الاستحقاق الرئاسي عملية خلط اوراق دقيقة وسريعة على وقع تسارع الايام الفاصلة عن الجلسة الخامسة والاربعين، فثمة من يقول ان الحريري لم يحسم امره بالتخلي عن ترشيح فرنجية وقد نقل موفده رسالة الى وزير المردة روني عريجي بالاستمرار بدعم فرنجية، وثمة من يرى ان لقاء باريس الذي لا يمكن الا ان يكون حدث رغم النفي له فانه لا يشكل تحولاً استراتيجياً في الملف الرئاسي لان لقاءات كثيرة حصلت مثل لقاء باريس بين الحريري وفرنجية لم تنتج رئيساً او لقاء عون والحريري في اوروبا قبل سنتين ونصف السنة.

وعليه فان جلسة 28 ايلول برأي اوساط سياسية لا يمكن ان تمر مرور الكرام في ظل التهديدات العونية بقلب الطاولة على رؤوس الجميع وعدم العودة الى الوراء، ومقاطعة الحوار والحكومة من قبل التيار البرتقالي والتوجه الى الشارع لانهاء الفراغ، وبرغم كون هذه المحطة على قدر من الاهمية للعونيين فان انجاز الاستحقاق يعتبر ضرورة او حاجة قصوى لكل من الحريري وبري ايضاً خصوصاً وان ميشال عون بدأ يشد «الحبال على رقاب الزعامتين». فالحريري يعاني من افلاس سياسي ومالي ومعنوي، هو متهم من قبل فريق اساسي في الداخل بعرقلة الاستحقاق ومنع وصول عون الى قصر بعبدا وهذا الفريق هو جزء من المكون اللبناني المتمثل بالمسيحيين الذين باتوا يتطلعون الى تفاهم معراب والى الرابية لتغيير الواقع المسيحي، ورئيس تيار المستقبل الذي يعاني ازمة مالية كبيرة يكاد يغرق بازمات المستقبل الداخلية، فالوزير السابق اشرف ريفي اعتبر الحريري «ظاهرة منتهية « ويهدد عرشه المستقبلي ويتحداه في الانتخابات النيابية بعد البلدية بالتربع على راس كتلة نيابية كبيرة، وبالتالي على الحريري الحسم والا فلتت الامور من يده مستقبلياً خصوصاً في ظل الاصوات الاعتراضية الذي يطلقه مستقبليون وقيادات في تياره على غرار فؤاد السنيورة واحمد فتفت و... فظاهرة اشرف ريفي يمكن ان تستنسخ في كل المناطق والمزيد من الأخير في حسم الامور سيكون له تداعياته على تيار المستقبل، كما ان وصول الحريري الى السراي بكامل عناصر السلطة مدعوماً بالمال والقوة من شأنه اعادة النبض والحياة لتياره، كما ان المؤشرات كلها لا تدل على قدرة المستقبل على ايصال مرشحه سليمان فرنجية الى بعبدا.

اما رئيس المجلس النيابي نبيه بري فهو يسوق لعدم وجود مؤشرات ايجابية في الموضوع الرئاسي، وكلام بري لا يصب في مصلحة عون الذي يرى ان حظوظه تبدو مرتفعة اكثر من قبل مع حملة الضغوط التي تمارسها الرابية، وبالتالي فان الرابية التي صارت تحتفظ بأرشيف طويل عن «انتهاكات» بري بحقها سترد له الصاع صاعين في اول الاستحقاقات وقد تكون رئاسة المجلس احداها في حال سارت عين التينة بعكس ما تريد الرابية في الملف الرئاسي وهنا يصبح لزاماً على بري تحصين العلاقة مع الرابية حتى لا يصيبها مكروه واي اذى في المستقبل قد يطال رئاسة المجلس.

وعليه فان القناعة الراسخة ان من مصلحة الجميع في الداخل انهاء الاستحقاق الحالي مع ان الدول المؤثرة غير معنية بالاستحقاق وغير مستعجلة له، فاميركا مشغولة بانتخاباتها الرئاسية والسعودية لها اولوياتها في دول اخرى اكثر اشتعالاً وسوريا منشغلة بمعركة الارهاب.

وفي كل الاحوال يشعر فريق 8 آذار انه ادى قسطه واكثر مما يلزم في الموضوع الرئاسي عبر القبول بعودة الحريري الى السراي وفق مبادرة رئيس مقابل رئيس وما على الطرف الآخر الا التنازل، فاظهر الامين العام لحزب الله ترحيباً غير مسبوق بالحريري في السراي وهو بدون قبول بالحريري في رئاسة الحكومة يحظى برضى ايران وحلفاء الحزب في الداخل وهي خطوة غير اعتيادية من قبل حزب الله والحلفاء ربما ليس حباً بالحريري بالذات كما تقول اوساط في 8 آذار انما لان الوضع الرئاسي دخل دائرة المحظور وبات وضع كل من مرشحي هذا الفريق في خطر من جهة، وبالتالي ثمة مخاوف امنية هائلة تتربص بلبنان ولولا انه ليس مستودعاً للنازحين السوريين لكان الوضع الامني ربما شهد مضاعفات خطيرة. وترى الاوساط ان وضعية المرشحين الاثنين في 8 آذار بخطر ورغم ذلك فان سليمان فرنجية يرفض الانسحاب من المعركة ولو حظي بتأييد نائب واحد كما قال، او التنازل لعون طالما انه لا يزال مرشح الحريري وجزء اساسي في الداخل اللبناني،فيما يرى عون انها الفرصة الذهبية التي لا يريد ان يفوتها فيخوض معركة الميثاقية واسترجاع حقوق المسيحيين.

وفي هذا السياق تؤكد اوساط سياسية ان ثمة ما يحاك منذ فترة على خط المختارة وعين التينة خصوصاً ان رئيس المجلس منزعج من الوضع القائم، وفي العادة اللبنانية والاستحقاقات الداخلية ثمة من يقول «فتش عن بري وجنبلاط» وعمن يرضى به الزعيمان ولو ان الاستحقاق مسيحياً لكنه قبل اي شيىء استحقاق داخلي ووطني يعني كل اللاعبين الأقوياء على الساحة.

في المحصلة فان خروج عون من الحلبة الرئاسية حتى الساعة شبه مستحيل وعقدة العقد، فالرجل يتسلح بدعم لا مثيل له من حزب الله وصل الى اسقاط ورقة سليمان فرنجية الحليف الاستراتيجي للضاحية . وفي المحصلة فان المتغيرات والتوازنات الاقليمية ستحدد وجهة المعركة الرئاسية، فالمخاطر المالية تهدد الوضع المالي للدولة، ويبقى حسم كيفية سير السفينة الرئاسية رهن ما سيجري في المطابخ الإقليمية بالتناغم والتلاقي مع المصلحة الداخلية.