صحيح ان ميشال عون يعيش «على اعصابه» بعدما بلغ التصعيد العوني الذروة وبات الرجوع عن قرار التصعيد والنزول الى الشارع موقفاً غير مشرفاً ومقبولاً من جمهور الرابية وخصوصاً ان التمديد لقائد الجيش بات مسألة ساعات، وبعدما لم يصل موقف حاسم من الرئىس سعد الحريري في شأن التسوية التي عرضت عليه قبل نحو شهر بالعودة الى السراي مقابل تسهيل وفتح الطريق امام عون الى قصر بعبدا، الا ان حال رئيس تيار المستقبل لا يقل احراجاً وقلقاً عن حال زعيم الرابية، فالحريري كما ميشال عون يرغب بالعودة الى الحكم والرئاسة ويحاول اقتناص الفرصة المناسبة في اللحظة الاقليمية المؤاتية، الا ان ظروف الحريري لا تشبه ظروف ميشال عون، فرئيس تيار المستقبل مكبل بحركته وقراره السياسي رهن بمعطيات وتحالفات سياسية لا يمكن للحريري التفلت منها، في حين ان عون يقاتل على كل الجبهات الداخلية متسلحاً بتفاهم معراب المسيحي وورقة مار مخايل ودعم الحليف الشيعي.

وبين نفي يتسرب من تيار المستقبل للقاء حصل في باريس بين باسيل والحريري وللمعلومات التي تحكي عن اقتراب قبول الحريري بمبادرة حزب الله، وبين ما ينقل من اجواء تفاؤلية عن الرابية باقتراب الحل الرئاسي، فان الغموض يبقى سيد الموقف الرئاسي بانتظار بروز معطيات اخيرة مع اقتراب موعد الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس في 28 ايلول خصوصاً ان التيار الوطني الحر «شحن» كل اسلحة المواجهة المتوفرة لديه لاستحقاق الشارع الكبير.

وحتى الساعة تختلف وتتناقض التحليلات والتوقعات في شأن موقف الحريري الذي قد يقدم عليه وان كانت الارجحية ربما لرفض الحريري السير بخيار عون، وفحوى التحليلات ان ثمة من يعتقد ان موافقة المستقبل على خيار عون هي بمثابة انتحار سياسي للحريري خصوصاً ان عون يصعب التعايش معه سياسياً وان عون غير مقبول في الشارع السني الموالي للحريري، وبين من يعتقد ان قراراً جريئاً من قبل رئيس المستقبل سيكون له آثاره الايجابية ومردوداته على الوضع السياسي اللبناني برمته وسيصور الحريري بأنه «المنقذ» بدل تحميله «دم الرئاسة المسيحية»، علماً انه سبق للحريري ان قدم تنازلات في السياسة عندما قبل الجلوس مع حزب الله على طاولة الحوار اثناء سير عمل المحكمة الدولية. وليس سراً ما تسرب من اجواء وعلى لسان قيادات حزب الله وهي بمثابة اغداق الوعود والتطمينات للحريري لحثه على جلسة 28 ايلول وعدم تفويت الفرصة وبان هذه الخطوة سيكون لها مردودات احسن منها للحريري من قبل حزب الله.

وفي حين يغرق الجانب السعودي بالصمت بحيث لم تصدر اشارات ايجابية او مؤشرات سلبية وتتولى جماعة او فريق الهجوم على ترشيح عون فالواضح ان الحريري هو الاكثر احراجاً واي قرار سيكون ثمنه مكلف خصوصاً اذا ما كان خطوة ناقصة في ظل جهوزية اخصام الداخل وصقور فريقه للانقضاض عليه وتصفيته سياسياً في تياره وعلى الصعيد السياسي ايضاً، وهو لذلك كما تقول اوساط يقيس خطواته ومواقفه ويراقب خطاب الصقور في تياره.

وعليه فان التكهنات تستمر على حاله وكذلك التناقضات بين من يعتبر ان عودة الحريري الى السراي مربحة له ومن يصفها بالخاسرة، معادلة العودة الرابحة الى السراي تردها الاوساط الى جملة عوامل، فالحريري يعاني من «اختناق» مادي وسياسي ومن تضافر الاخصام داخل وخارج تياره، فالسعودية تتعاطى معه بعدم اكتراث لوضعه المادي لا بل ثمة من يتحدث عن دعم مادي يصل الى خصوم الحريري في تياره والى المتشددين فيه وليس سراً ما تردد عن اموال دفعت في المعركة البلدية التي خاضها وزير العدل المستقيل اشرف ريفي ضد الحريري في طرابلس، وما حكي ايضاً عن تسريب اموال لقيادات سنية في المستقبل فيما حجبت عن رئيس المستقبل.

وبالتالي فان الحريري امام خيارين احلاهما «مر» ففك مساره عن السعودية معناه افساح المجال لمن يرثه لدى المملكة ولكنه في ذات الوقت يعيده لاعباً اساسياً على الساحة ويعيده الى السراي مسترجعاً السلطة والنفوذ وهما عاملان كفيلان باعادة ترتيب وضعيته السياسية ووضع تياره المترنح.عدا ذلك فان نظرية العودة المربحة للحريري تتحدث عن ضمانات عرضها حزب الله واغراءات ابرزها ان لا يتم اسقاطه بالضربة القاضية كما حصل في المرة الماضية، وان لا يتحول الى مرشح 8 آذار وبالتالي فان القبول بالسير في معادلة رئيس مقابل رئيس ستكون مشروطة وخاضعة لحسابات حريرية معينة.

اما نظرية العودة الى السراي في ميزان الخسارة فهي حسب الاوساط تتمثل بفك الارتباط مع السعودية، فالرياض ستتحول حينها فعلاً وواقعاً نحو القيادات السنية المختلفة مع الحريري لتعويمها وتقويتها، عدا ذلك فان خيار عون يواجه جبهة داخلية متشابكة مع بعضها قوامها الثلاثي «فرنجية السنيورة وبري»، فمجرد الحديث عن لقاء ربما لم يحصل بين باسيل والحريري كان كافياً لاستثارة هذا الفريق وتحركه ضد تفاهم المستقبل وعون.

وفي كل الاحوال فان الحريري هو الاكثر احراجاً في هذه المرحلة، وهو «يعد العشرة» قبل الاقدام على خطوة تنهيه سياسياً في ظل الوضعيه المعقدة في تياره والسلطة، او خطوة تكون بمثابة تحوّل سياسي كبير تعيده الى السراي الى جانب فريق 8 آذار الذي سماه ورشحه.