وأخيرا رضخ سعد الحريري وتخلى عن "عناده" وأبلغ من يعنيهم الأمر في الرابية أنه بات مستعدا لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. أو على الأقل هذا ما يسوقه أحد قيادات حزب الله، شخصيا، خلال الساعات الماضية. بالتأكيد السيد حسن نصرالله اكثر المبتهجين بهذا القرار فيما الشيخ نعيم قاسم سيسجل في أرشيف "الأمانة العامة" انتصارا لحزب الله وسيكون أوّل المهنئين للجنرال ميشال عون والأرجح أن النائب نواف الموسوي سيكون الى جانب زملائه في تكتل التغيير والاصلاح في الرابية يحتفي على طريقته من دون مخالفة القواعد الشرعية ولا اللياقات الاجتماعية.

الأرجح ان هذه هي الصورة التي تشكلت لدى جمهور المناصرين للعماد ميشال عون ولحزب الله، وربما هي نفسها لدى مناصري تيار المستقبل. الا أنّ ما يتمناه الجنرال عون في لحظات تسليم الحريري له، ان يكون السيد حسن نصرالله أوّل من يزوره في احد شقق حارة حريك التي كان ترابها اوّل ما داسته قدماه حين كان طفلا يلهو في بساتينها وتذوق أول برتقالة من اشجارها. ولأن طعمها لم يفارق لسانه صارت رمزاً لتياره. وهو بالتأكيد بعد ان اختفى الليمون واقتلعت اشجاره من جذورها يريد لهذا التراب، على ندرته في حارة حريك، هذه الايام، ان يكون اوّل ما يقبله. فرائحة اهله واجداده لم تغب عن الحارة وكنيستها، وأرواحهم لا:تزال تحوّم حول "السيّد" الذي لم يترك فرصة الا وعمل عليها من اجل ان يوصل "عينه"، ابن حارة حريك، الى قصر بعبدا.

تتداخل المشاعر والأحاسيس وربما تربك الجنرال القادم من الرابية الى "معقل السيد" والى ما كان ساحة الصّبا، ليعبر من خلالها الى ساحة قصر بعبدا رئيساً. ولسان حال الجنرال يقول:

"هذا الحلم يتحقق او على وشك. هذا الحلم قاب قوسين او ادنى، ولكن السيد على وعده. هو الذي قال كلمته ولم يتراجع. صحيح انني اقنعت الرئيس سعد الحريري، ونجح صهري جبران وذانك النونان، نادر ونهاد، في تليين عريكته، لكن والحق يقال لولا وعد السيّد وتردداته على السنة الرعد والقاسم وافئدة المجاهدين، ما كان لهذا الحلم ان يصبح واقعاً.

الفضل لاهل الفضل والسيد من اهله. هو يدرك بعد عشر سنوات على سيرة التفاهم والتحالف الوجداني والسياسي، أنّ اصدقاء السيد، بل حلفاءه، لن يخيبوا ظنّه، وأنّ أخيه الرئيس نبيه بري لن يقوض ما بناه السيد من خسارات خصومه وخصومنا الآذاريين، بل سيبني عليها معنا مجد المقاومة التي ستكون مقيمة في قصر بعبدا لا في اروقته بل في روحه الطالعة من الضاحية التي ضمتنا، وان في زمنين مختلفين. اما "العين الثانية" فهي لن تغدر بالاولى وان خطر لها، فلن تغدر بصاحبهما الذي يرى فيهما، وان كان يرى بقلبه "النبيه"، في احيان كثيرة.

ما اجمل هذه اللحظات، يتابع الجنرال، وما اجمل الوفاء من سيد الوفاء. وادرك ان اكبر العقبات تجاوزناها، ومهما كان صدر السيّد رحباً، فهو لن يقبل بالدلع. وهو يعرف بعد كل هذه التجارب، ما هو دواء الذين يصابون بنوبة دلع سياسي. والأرجح ان لديه ما يستطيع ان يشفي وليد جنبلاط من داء الاعتراض، ليس على شخصي، بل على كل من وضع نجوما على كتفيه، هي متوارثة اكثر منها ذاتية. ولكن السيد لن يعدم الوسيلة ما دمنا كلنا نحبه ونحترمه او نهابه.

ثمة ما يمنعني من النوم، ويجعل الأيام طويلة كدهر، ربما هو شعور طبيعي قبل لقاء السيد او قبل الفوز بجائزة الرئاسة. ثمة ما يؤرق اكثر... الطريق سالكة ولكن صمت البعض يزيدني قلقا. هل يمكن ان يستمر هذا الصمت؟ هل ما يخبىء لي الغد ما لم يخطر لي ببال؟ الارجح انها كوابيس كانت تراودني في ازمان بعيدة، واعتقدت انني تجاوزتها لكنها تلح عليّ. لا... الارجح ان السيد لن يسمح بأن تأخذني الى حيث لا احب ولا يحب هو... أليس كذلك؟".