بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على ​لبنان​، برز ملف ​إعادة الإعمار​ كأحد الملفات التي تشكل ضغطاً على بيئة لبنانية معينة، خصوصاً بعدما رُبط الملف بتنفيذ شروط سياسية وأمنية قاسية على رأسها مسألة سحب سلاح ​حزب الله​، فلا تمويل قبل تحقيق الشروط، ولكن هل الأزمة في ​التمويل​ فعلًا أم أن المشكلة أعمق، مرتبطة ب​القرار السياسي​ والأمني؟.

المشهد الحالي يؤكد أن المال ليس العقبة الكبرى. هناك إمكانيات مادية للبدء بإعادة بناء ما دمرته إسرائيل، لكن ما يمنع انطلاق الورشة هو غياب القرار السياسي الحقيقي، وسط رفض إسرائيلي، أميركي، وربما عربي، صريح أو ضمني لأي عملية إعمار شاملة، ورضوخ رسمي لهذا الفيتو غير المعلن، والدليل هو غياب أيّ خطوات حكومية بهذا الملف، حتى مسألة مسح ​الأضرار​ لم يتم التعامل معها بجدّية من قبل الحكومة.

رغم أن البيان الوزاري وضع إعادة الإعمار في صدارة الأولويات، إلا أن الحكومة لم تتحرك بجدية منذ وقف إطلاق النار. لم تُنشئ لجان دقيقة لحصر الأضرار، ولم يُنجز ملف شامل يحدد بدقة حجم الدمار والكلفة الحقيقية لإعادة البناء، بل إن الأرقام التي تسربت بدت مبالغًا فيها بشكل فاضح، وكأنها صُمّمت عمدا لإظهار الدولة بمظهر العاجز، تمهيدًا لربط الملف بقرار دولي مرهون بشروط سياسية غير لبنانية.

هذا المشهد ليس جديدا على لبنان. في ملفّ النازحين السوريين مثلًا، انتظرنا لسنوات قرارا دوليا لتنظيم العودة، لكن القرار لم يأتِ، وبقيت التداعيات الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم. واليوم يتكرر السيناريو نفسه مع ملف إعادة الإعمار: انتظار "الضوء الأخضر" من الخارج وكأن لبنان بلا سيادة ولا قدرة على اتخاذ قرار مستقل يتعلق ببيوته وبُناه التحتية وبكرامة مواطنيه.

الجديد في هذا الملف بحسب معلومات "النشرة" بدأ بعد تعيين الوزير السابق علي حمية مستشاراً لرئيس الجمهورية لشؤون إعادة الإعمار، فمع تسلمه لمهامه بدأ الرجل بإعداد ملفّ كامل عن الأضرار وحجمها وكلفتها، وبحسب المعلومات فإنّ العمل بهذا الملف سينتهي خلال أسابيع قليلة، ليكون متاحاً امام الحكومة لتكليف اللجان بالتدقيق والمتابعة.

كذلك يعمل حمية وفق المعلومات على تسويق ملف إعادة الإعمار بالخارج لدى الدول الصديقة، فخلال زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى الجزائر كان حمية برفقته وقد سمع كلاماً ممتازاً من البلد المضيف بخصوص المساعدة على إعادة إعمار المباني الحكوميّة، إذ من المتوقع بحسب الوعود أن تحضر لجنة هندسية جزائرية لإعداد تقرير مفصل عن هذه المسألة، مع الإشارة إلى أنّ العبرة ستبقى ببدء التنفيذ.

إعادة إعمار ما هدمته إسرائيل هي اختبار لمدى قدرة الدولة على اتخاذ قرار وطني مستقل، بعيدا عن ضغط الخارج وحساباته، وعن الرفض الإسرائيلي الممنهج الذي يحاول إبقاء الخراب شاهدا على حدود القوة والنفوذ، مع التأكيد على أن الانتظار لن يحل المشكلة، إذ سبق للدولة أن انتظرت ولا تزال في ملفات عديدة، واليوم ملف إعادة الإعمار يشكل عنوان حضور الدولة أمام شعبها.