الفارق بين إنتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون "سلّة"، أي عمليًا من دون "تفاهمات مُسبقة"، وإنتخاب رئيس من ضمن "السلّة"، أي عمليًا مع "تفاهمات مُسبقة"، كبير جدًا، وينسحب على كامل عهده الرئاسي.

المُدافعون عن "السلّة" أو عن "التفاهمات المُسبقة" كُثر ولا يقتصرون على الإطلاق على رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي يُتوقّع أن ينضمّ إلى وجهة نظره أكثر من طرف في المُستقبل القريب. وهؤلاء ينطلقون في دفاعهم عن السلّة من مَنطق يقول إنّ التوافق المُسبق على إسم رئيس الجمهوريّة، بدلاً من التوجّه إلى مجلس النواب وإجراء مُنازلة ديمقراطية لإنتخاب رئيس، يُمثّل بحدّ عينه جزءًا لا يتجزّأ من هذه "السلّة" ومن هذه التفاهمات المُسبقة، باعتبار أنّ لبنان محكوم بالتوافق. ويعتبرون أنّ ما يسري على منصب رئاسة الجمهوريّة، وضُمنًا على منصب رئاسة الحكومة، يجب أن يسري بطبيعة الحال على منصب رئاسة مجلس النواب، وعلى مُختلف باقي المناصب الحسّاسة في البلاد، وعلى الحكومة المُقبلة، وحتى على قانون الإنتخابات، إلخ...

في المُقابل، إنّ المُنتفضين ضدّ منطق "السلّة" يعتبرون أنّ التوافق على إسم رئيس الجمهوريّة شيء وتكبيل عهد الرئاسة بسلسلة لا تنتهي من الشُروط المُسبقة شيء آخر. وهم لا ينكرون ضرورة التوافق المُسبق بين أغلبيّة الجهات السياسيّة الأساسيّة في البلاد على الخطوط العريضة للمرحلة السياسيّة المُقبلة، إنطلاقًا من خُصوصيّة العمل السياسي في لبنان، لكن ليس عبر كف يد الرئيس الجديد في أصغر وأدقّ التفاصيل، بحيث يتحوّل إلى واجهة شكليّة وصُوريّة، لحُكم جرى تقاسم حُصصه مُسبقًا، وجرى رسم مساراته مُسبقًا أيضًا.

وبحسب المعلومات المتوفّرة إنّ المُطالبة بالتوافق على "السلّة المُسبقة" يتضمّن مجموعة كبيرة من الشروط ومن التعهدّات التي بدأ تسريب بعضها عبر جهات إعلامية وصحافيّة مُختلفة، علمًا أنّه ما أن يُوافق العماد ميشال عون أو سواه على بحث هذه الشروط، حتى يُصبح أسيرًا لها طوال عهده، إذا ما أراد الوصول إلى قصر بعبدا، أو يختار أن يُصبح خارج السباق الرئاسي في حال رفضها. وبحسب المعلومات أيضًا إنّ "السلّة" المُفترضة لا تقتصر على توزيع الرئاسات الثلاث، أو على شكل الحكومة، وإسم قائد الجيش وأسماء بعض المناصب الحسّاسة في الدولة، وإنّما يتجاوز ذلك إلى مُطالبة من اليوم بحجز بعض الوزارات لهذا الفريق أو ذاك ولكامل العهد الرئاسي. و"التوزيع المُسبق"، إذا جاز التعبير، لبعض الوزارات الحسّاسة، هو في صلب هذه "السلّة"، حيث أنّ عين الكثيرين على وزارات الدفاع والداخليّة والخارجيّة والماليّة والطاقة. وإذا كان التحكّم بوزارة الماليّة يعني التحكّم بتمويل كل الوزارات، فإنّ التحكم بالطاقة يعني كسب اليد الطولى في مسألة إخراج النفط التي ستكون أحد أبرز أحداث العهد الرئاسي المُقبل. من هنا، يُتوقّع أن تأخذ المعركة على وزارتي الماليّة والنفط أهمّية مُضاعفة تفوق معارك باقي الوزارات، حتى الأمنيّة الطابع منها. ومن ضُمن الشروط المَرفوعة للمُوافقة على أيّ تسوية رئاسية، التوافق المُسبق على قانون الإنتخابات النيابيّة، علمًا أنّ الوقت صار أكثر من داهم بالنسبة إلى إقرار قانون جديد تمهيدًا لدعوة الهيئات الناخبة قبل ستة أشهر من موعد الإنتخابات كما ينصّ الدستور، في ظلّ بداية همس عن تمديد "تقني" وبحكم الضرورة للمجلس الحالي!

وبالتالي، بدلاً من أنّ يكون الرئيس المُقبل للجمهورية في موقع القوي، ليبدأ عهده بأحلام كبيرة وبخطاب قسم يحمل الأمل للبنانيّين، سيكون مُضطرًا إلى تقاسم السُلطة والنُفوذ، بأصغر وأدقّ التفاصيل، مع الطبقة الحاكمة الحالية التي تسعى لتعزيز حُضورها في السلطة، في مُقابل ما تعتبره تنازلاً رئاسيًا. وهذا الرئيس سيكون مضطرًّا للدخول في تركيبة الحكم الحالي، بكامل سيّئاته وشوائبه، وكجزء صغير محدود السُلطات من ضُمن تركيبة واسعة.

من هنا، تتجه الأنظار إلى العماد عون لمعرفة أسلوب التعاطي الذي سيتبعه لتجاوز "فخ السلّة"، ليصل إلى الرئاسة من دون الإضطرار إلى تقديم تنازلات حاسمة قبل إنطلاق عهده، علمًا أنّ مُجرّد المُوافقة في بحث تفاصيل "السلّة المُسبقة" يعني الدخول في أشهر طويلة من الأخذ والردّ، في ظلّ وجود عشرات العقبات الحالية وتلك المُرتقب بروزها تباعًا، وفي ظلّ وضع الكثير من "الفيتوات" غير القابلة للنقض ورفع الكثير من "الشروط" غير القابلة للتفاوض من اليوم. وعندها سيظهر تمامًا من خَدع مَن، ومن خُدع مِمَّن...