في وقت يتصاعد صراخ وبكاء الأميركيين والغرب وأعراب واشنطن على حلب، لم نرَ أو نسمع كلمة أسف واحدة منهم على ضحايا الأعمال الإجرامية والإرهابية، خصوصاً لجهة التفجيرات الانتحارية والإجرامية، والقصف العشوائي على المواطنين في مناطق سيطرة الدولة الوطنية السورية.

الجيش العربي السوري وحلفاؤه في معركتهم لتحرير الأحياء المحتلة في حلب من المجموعات الإرهابية، إنما يعملون واجبهم الوطني لتطهير عاصمة سورية الثانية من الإرهابيين متعددي الجنسيات الذين حُشدوا من كلّ فجّ عميق، علماً أن كل أنواع النهب المنظم سبق أن مورست ضد الشهباء، فمن ينسى كيف أن الأتراك اشتروا من عصابات الإجرام المعامل والمصانع بـ"تراب المصاري"، وكيف أن الأتراك أيضاً عملوا على نهب المصانع وإنتاجها، لعلمهم أن حلب تكاد تكون القاعدة الصناعية الأولى في منطقة الشرق الأوسط، وإنتاجها النوعي يصل إلى جميع قارات العالم؟

وعلى ما يبدو فإن هذا التحالف الشيطاني لم يسمع ولم يرَ التظاهرات الكبرى وحركات الرفض الشعبية التي نظّمها الحلبيون على الدوام ضد جحافل الإرهاب وأسيادهم، حتى أن هناك الكثير من الأحداث المفتعَلة من هذا التحالف بهدف استهداف الدولة الوطنية السورية، على نحو ما جرى مع القافلة الإنسانية التي تمّ تسييرها بعد الاتفاق الروسي - الأميركي على وقف العمليات الحربية، حيث كان استهدافها مقصود من أجل توجيه الاتهام إلى دمشق، لكن الكذبة كُشفت، حيث لم يتبين مصدر استهداف هذه القافلة، ورجّح البعض أن تكون من التحالف نفسه أو أتباعه، لغاية دنيئة جداً، مع العلم أن معظم "المساعدات" الإنسانية التي تصل إلى مناطق سيطرة الإرهابيين لا يصل منها إلا النذر القليل للمواطنين المحاصرين بنيران وبطش التكفيريين، والذين لم تتوفر لهم سبل الفرار إلى مناطق أكثر أمناً، بينما هذه المساعدات هي بطريقة أو بأخرى مساعدات للمجموعات المسلحة وعائلاتها.. وللتذكير هنا فقط، نشير إلى المساعدات الإنسانية التي رمتها الطائرات الأميركية إلى الناس في عين العرب (كوباني)، فإذا بها تُرمى في مناطق سيطرة "داعش"، ويومها اعترفت واشنطن بهذا "الخطأ"، لكنه "خطأ مقصود" عن سابق تصوّر وتصميم، وهو جرى في أكثر من مكان، وعشرات المرات.

حقيقة التوجّه الأميركي والغربي والصهيوني والتركي والرجعي العربي لدعم مجموعات الإرهاب والتكفير، يتضح بصورة فاضحة في الضربة المُحكمة التي وُجِّهت إلى غرفة عمليات دار غزة في حلب، حيث كان يوجد فيها أكثر من 30 ضابطاً برتب عالية، من أجهزة مخابرات وجيوش كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والكيان الصهيوني وتركيا والسعودية وقطر، فماذا كان يفعل هؤلاء في تلك الغرفة سوى قيادة وتخطيط مجموعات التوحش والإرهاب والتكفير المستورَدة من كل أنحاء العالم؟

لعله من المفيد هنا للتذكير بما كنا قد أشرنا إليه قبل عددين من "الثبات"؛ أن مجموعات المقاتلين الأجانب في سورية بلغ منذ اندلاع الأزمة السورية، حتى شهر آب الماضي، أكثر من 400 ألف مقاتل، فكيف جاء كل هؤلاء من معظم العواصم الغربية والخليجية، وكيف قدموا عبر الأردن وتركيا والكيان الصهيوني، دون تسهيلات وتوفير الإمكانيات لهم، من أجل قتل الشعب العربي السوري وتدمير حضارة بلاد الشام؟

الغرب والأميركي الذي لا يرى مصالحه إلا بمنظار الكيان الصهيوني، بدأ يشعر بخطر الإرهاب التكفيري، لأنه أمام صمود الدولة الوطنية السورية بدأت مجموعات الإرهاب بالعودة إلى حيث انطلقت، وهو بدلاً من معالجة المشكلة، ما يزال يحاول الهروب منها، بمنع عودة المجموعات الإرهابية، فيعود مرة أخرى إلى الإغراءات السرية والعلنية لهم بدفعهم للبقاء ما بين بلاد الرافدين وبلاد الشام، في نفس الوقت الذي أخذت الجماعات الإرهابية تنسّق مع الكيان الصهيوني أكثر فأكثر، ولم يعد الأمر يقتصر على "جبهة النصرة"، بل أخذ ما يدعى "المعارضة المعتدلة" من وجهة نظر واشنطن، يُفصحون علناً عن علاقاتهم مع الكيان الصهيوني، كذاك التصريح الذي أطلقه مسؤول كبير في ما يسمى "جيش الاسلام"، المدعوم من السعودية، بأن لا مبرر أبداً ليكون هناك أي عداء مع "إسرائيل"، وكذلك الحال كان هناك أكثر من موقف لما يسمى "حركة أحرار الشام"، وغيرها من المواقف المعارضة التي ترى في "إسرائيل" حليفاً وصديقاً وداعماً.

بأي حال، معركة حلب مستمرّة ومتواصلة مع توجيه ضربات استباقية هامة ضد المجموعات الإرهابية في كثير من المواقع والمناطق، كما هو الحال في ريف دمشق ودير الزور وإدلب، ومن الواضح أن صراخ المجموعات الإرهابية يطرق آذان اسيادهم، وهو ما حاولت القيادة العامة للقوات المسلحة السورية أن توفّر لهم الخلاص، من خلال تأكيدها في بيان أن الجيشين السوري والروسي يضمنان الخروج الآمن للمسلحين وتقديم المساعدات اللازمة لهم.. وكما عُلم فإنه إذا كان عدد كبير من المسلحين السوريين يريد أن يعود إلى كنف الدولة الوطنية، وبعضهم وُفِّر لهم ذلك، إلا أن المسلحين الأجانب يريدون العودة من حيث أتوا، لكن أحداً لا يوفر لهم هذه المهمة ممن دعَمهم وشجّعهم، وبهذا حاول الأميركي قبل أيام أن يوفر لهم حلاً عن طريق مجلس الأمن الدولي، لكنه عجز عن الأمر، فكررت باريس نفس الموقف قبل 48 ساعة، وعن مؤسسة بان كي مون نفسها، حيث تقدمت باقتراح لوقف إطلاق النار في حلب، وهو ما اعتبرته موسكو أحادي الجانب، لاحتوائه عناصر لا علاقة لها مطلقاً بالمسألة الإنسانية، خصوصاً أن مشروع القرار الفرنسي سخيف، لدرجة أنه يعود إلى أكذوبة "الكيميائي" السوري، الذي تبين أنه يستعمل من قبَل العصابات المسلحة، بعلم وخبرات أميركية وغربية.

إذاً، معركة حلب مستمرة.. وهي قريباً ستكون بأكملها ذات عيون خضراء.