عندما تكوّنت الصيغة اللبنانية قامت على التفاهم بين مكونات البلد بمواكبة خارجية تحولّت أثناء وجود السوريين بعد "الطائف" الى رعاية دمشق الكاملة لمواضيع الرئاسة والحكومة وقوانين الانتخابات، لا بل لإحاطة أي ملف أو تعيين اداري وأمني وعسكري قبل حصوله، اما تسويقاً او فرضاً.

ما يطرحه رئيس مجلس النواب نبيه بري من "ضرورة وجود تفاهمات حول رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة وقانون الانتخاب" وما إصطُلح على تسميته "السلة" لا يُعتبر جديداً في لبنان. سبق أن وافقت القوى اللبنانية نفسها على سلة مشابهة عام 2008 عندما تمّ التوافق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً.

فلماذا يتم رفض "السلّة" الآن؟

عناوينها محددة، وليست من اختصاص رئيس الجمهورية ولا تنتقص من صلاحياته كما قال بري، بل هي من مهمة مجلس النواب.

كل الكتل حدّدت موقفها دعماً او رفضاً، إلاّ "حزب الله" بقي صامتاً، يتحمل حيناً اتهامات سياسية بأنه يقف خلف تعطيل انتخاب العماد ميشال عون، وحيناً بأنه لا يريد رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري رئيساً للحكومة. لكن موقف الحزب غير قابل للنقاش: التزام بإنتخاب "الجنرال" من دون اي تراجع. الحزب نفسه لم يكن يحبّذ اساساً وصول الحريري للسراي الحكومي. هذا امر معروف لأسباب سياسية تتعلق أيضاً بعلاقات والتزامات الفريقين الخارجية مع السعودية او ايران. لكن الحزب مستعد للنقاش من اجل وصول عون.

بعد جلسات باريس بين وزير الخارجية ​جبران باسيل​ ومدير مكتب الحريري ​نادر الحريري​ أطلع رئيس "التيار الوطني الحر" "حزب الله" على مضمون النقاش، تماماً كما كان فعل رئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجية بعد لقاءاته برئيس تيار "المستقبل". الحزب بقي صامتاً. لا تعليق عنده. لكن جملة مؤشرات رُصدت:

التحالف الاستراتيجي الشامل الكامل بين حركة "أمل" و"حزب الله" يقضي بعدم التباين في شأن انتخاب الرئيس، ما يعني الموافقة على "سلّة" بري ضمناً.

مواقف علنية صدرت من رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد انتقدت "من يعطّل الحوار والحكومة وجلسات مجلس النواب"، ثم من رئيس "الهيئة الشرعية" في الحزب الشيخ ​محمد يزبك​ الذي كرّر في خطابه الأحد الماضي في بعلبك مواقف رعد. المعروف أنّ من يقاطع الحوار وجلسات الحكومة هم "العونيون". هذا لا يعني أنّ الحزب لا يريد انتخاب "الجنرال". الأمر محسوم بالنسبة إليه. غير أنّ المواقف كانت لافتة، تبعتها مشاركة وزراء الحزب في جلسات الحكومة.

من اهم المؤشرات عدم وجود اجوبة لا سلبية ولا إيجابية عند "حزب الله" على أسئلة بحجم: هل ترضون بالحريري الآن رئيساً للحكومة؟ هل توافقون على كل التفاهمات التي يجريها عون مع "القوات" و"المستقبل" بالنسبة لتشكيلة الحكومة وقانون الانتخابات الذي يحدّد الأكثرية والأقلية وإدارة البلد؟ هل يريد الحزب تحديد السياسات مسبقاً في ما خَص البيان الوزاري والموضوع السوري والتعاطي مع ايران ومقاربة الملفات الخارجية الحسّاسة؟ ماذا عن الأدوار والحقائب الأمنية والسيادية؟ كلها ملفات شائكة تحتاج الى توافق أيضاً.

مجرّد عدم تطرق "حزب الله" الى التداول والتفاوض حول تلك الملفات، يعني إمّا علم الحزب ان لا جديّة لانتخاب رئيس الجمهورية الآن، لعدم نضوج التسويات الخارجية، وفقدان الغطاء السعودي للحريري لاتخاذ القرار، وإمَّا بإنتظار ان يطلب "الشيخ سعد" موعداً من قيادة الحزب أسوة بما يفعل مع باقي القوى السياسية. وهو لن يقدم على تلك الخطوة، التي حاول الاستعاضة عنها بزيارة موسكو لممارسة ضغوط خارجية او بروباغندا إعلامية.

بجميع الأحوال، الانتظار سيد الموقف، ما يوحي أن الأيام المقبلة الفاصلة عن الجلسة آخر الشهر ستكون هادئة، بعدما افرغ كل فريق ما في جعبته السياسية، ليبقى "حزب الله" على صمته ورصده لما يجري. فهو ملتزم نهائياً بترشيح عون، وداعم أكيد عن قناعة لطرح بري. الأمران يتساويان عنده كما أظهر التصرف والمعلومات.

ليس الحزب مسؤولاً عن عدم انتخاب الرئيس كما يحاول معارضوه إلصاق التهمة به. ولا رئيس المجلس يتحمّل مسؤولية عدم بتّ أمر الرئاسة. القضية اكثر بُعداً وعمقاً. انها تتعلق برسم معالم المرحلة المقبلة. فإذا كان لدى "حزب الله" لاحقاً او ضمناً شروط أيضاً تُضاف الى "سلة" بري، فهي بالتأكيد تتعلق بالحريري وليست بعون. هنا هل يمكن فصل لبنان عن التداعيات الخارجية في المراوحة أو التسويات؟