على وقع الحديث الأميركي عن درس سيناريوهات جديدة للتعامل مع الأزمة السورية، لا يُستبعد تقديم المزيد من الدعم العسكري إلى فصائل من المعارضة المسلحة الّتي تصفها الولايات المتّحدة الأميركية بـ"المعتدلة"، بالإضافة إلى إمكانية توجيه ضربات محدودة لمراكز ​الجيش السوري​، وقد جاء إعلان الكتيبة المركزية الثانية في "لواء صقور الجبل"، المنضوي في "جيش إدلب الحر"، عن الإنسحاب من "اللواء" والعمل تحت راية جبهة فتح الشام"، أي "جبهة النصرة" سابقاً، ليزيد في الطين بلة، فكيف من الممكن أن تذهب واشنطن إلى دعم فصائل ليس هناك ما يمنع تحولها إلى أبناء تنظيم "القاعدة" في أي لحظة؟!.

بالنسبة إلى مصادر مطلعة، ما تقدم لا ينفصل عن المخاوف التي لدى البيت الأبيض من سقوط أي أسلحة قد تقدمها، أو ترفع الغطاء عنها، في أيدي من تصنفهم بـ"الإرهابيين"، وهو ما حصل فعلياً بعد تسليم واشنطن دفعة من صواريخ "التاو"، في وقت سابق، إلى "المعتدلين"، حيث لم تمض أيام قليلة حتى ظهرت في عمليات "النصرة"، بعد أن نجحت في القضاء على من سلمت إليه، الأمر الذي طرحت حوله جملة من علامات الإستفهام، لا سيما في ظل الإتهامات التي توجه لها بالوقوف وراء عمليات تسليح الجبهة بطريقة غير مباشرة، من دون إهمال عامل "المماطلة" في إستهدافها، من خلال عدم الإلتزام ببنود الإتفاق الموقع مع ​روسيا​.

من هذا المنطلق، ترى المصادر نفسها، عبر "النشرة"، أن من الضروري العودة إلى بيان الفصائل السورية التي رفضت تصنيف "فتح الشام" منظمة إرهابية أو توجيه ضربات عسكرية، كما كان ينص الإتفاق، حيث كان من أبرز تلك الفصائل "الفرقة 13" التي لا تخفي حصولها على دعم مباشر من

الولايات المتحدة، ما يعني أن واشنطن وافقت على ما تضمنه البيان ولو بشكل غير معلن، أو على الأقل لا تمون على الفصائل التي تقدم الأسلحة لها كي تبعدها عن "الإرهابيين"، وتسأل: "هل هذا أمر مشجع على تقديم المزيد من الأسلحة المتطورة لها"؟!.

وتشير هذه المصادر إلى أنه كان من المفترض أن يكون "التخلي" الأميركي، أو رفع الغطاء عن "النصرة"، مقدمة نحو "فك إرتباط" الفصائل "المعتدلة" بها، على إعتبار أن هذا الواقع سيعرضها إلى الإستهداف معها، لكن المفاجأة أن هناك من ذهب إلى الإندماج معها، ضمن ما يسمى "جيش الفتح"، مباشرة بعد الإعلان عن التفاهم مع موسكو، كحركة "نور الدين الزنكي" و"لواء صقور الشام"، الذي قرر الإنفصال عن حركة "أحرار الشام" والعمل منفرداً ضمن هذا "الجيش"، ما يؤكد بأن هذه الفصائل لم تجد أي ضغوط جديدة تدفعها إلى الإبتعاد عن "النصرة"، بل على العكس من ذلك تم التغاضي عن مثل هذه التحولات، وهو ما يُفسر ظهور الدفعات الجديدة من صواريخ "الغراد" مع عناصر الفصائل المتحالفة مع الجبهة.

من وجهة نظر المصادر المطلعة، ما حصل ضمن "جيش ادلب الحر"، في الأيام الأخيرة، قد يكون هو الحدث الأخطر، حيث كان من المفترض أن يكون هذا "الجيش" هو الجسم العسكري الذي يسحب المقاتلين من باقي الفصائل نحوه، بحسب ما تحدثت الأوساط، لكن أحد مكوناته إختار الذهاب نحو "النصرة" للعمل تحت أمرتها، وبالتالي قد يتكرّر هذا الأمر في أي مناسبة، في ظل التساهل الواضح في التعامل مع الجبهة، من خلال الحديث عن التداخل المعقّد بين مواقعها وتلك التابعة لـ"المعتدلين"، بدل التشدد في التعامل مع من يستمر بالتعاون معها، لكنها تعتبر أن ما يحصل مؤشر على أن القوى الدولية والإقليمية الداعمة لفصائل المعارضة لا تمانع تعاونها مع

"النصرة"، لا بل هي ربما لا تجد بديلاً عنها على أرض الواقع، وتضيف: "على ما يبدو يخشى الجميع إغضاب الجبهة، نظراً لأنها في حال الغدر بها ستكون قادرة على جميع "المعتدلين" خلال فترة قصيرة".

في المحصلة، تبدو واشنطن عاجزة جزئيًّا عن دفع "المعتدلين" للإبتعاد عن "الإرهابيين" في أحسن الأحوال، أو هي عملياً لا تريد تحقيق هذا الهدف في حقيقة الأمر، ولكن هل هي قادرة على تجاوز هذا الخطر في عمليات "التسليح" الجديدة؟