لطالما كثر الحديث عن الطائفية وتداعياتها على حياتنا الاجتماعية والسياسية وما يتآتى عنها من فساد وافساد على كافة المستويات، ولكنه يغفل على الكثيرين ان اساس الفساد ليس الطائفية بل الزبائنية في التعاطي المستشرية بين الكثيرين من المسؤولين السياسيين بحيث يسعون للسيطرة على اكبر عدد من المراكز الادارية والمكاسب السياسية من أجل تأمين اكبر عدد ممكن من التنفيعات والخدمات، كل ذلك على حساب اصحاب الكفاءة الذين فقدوا املهم وايمانهم بالوطن.
الكل اصبح يعلم انه للحصول على وظيفة ما في مختلف ادارات الدولة، يجب اللجوء الى زعيم او متنفذ طائفي وهو الذي يمسك بزمام الأمور، غير آبه او مكترث لما يسمى مجلس الخدمة المدنية، الذي بدأنا نترحم عليه في ظل سيطرة حيتان السياسة الذين اخذ كل منهم طائفته درعاً لتحصين وتعزيز مركزه ولزيادة شعبيته. مجلس الخدمة المدنية لم يوجد ليفرز طوائف ومذاهب تتحكم بها الزعامات السياسية بل لاختيار الأكفأ ضمن معايير علمية معينة وكوتا طائفية ومذهبية تحمي الأقليات على غرار ما يحصل في معظم البلدان المتقدمة.
المشكلة ليست في نظامنا الطائفي، فلبنان بلد اقليات ليس فيه اي طائفة تعتبر طائفة سائدة، وهو شكل موزاييك من الطوائف الصغيرة التي قد تختلف بالحجم النسبي لكل منها، إلا أنّها جميعها في النهاية اقليات.
وبحسب القانون الدولي، فان احد اهم الالتزامات الحكومية تجاه المواطنين هو حماية الأقليات من غطرسة الأكثرية. فالإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة في عام 1966 تحدث ليس فقط عن حقوق الأفراد بل ايضاً عن حماية الأقليات، حيث يؤكد البند رقم 27 من هذا الإعلان على اهمية عدم تهميش اي اقلية اثنية كانت ام دينية وعلى صورة انخراطها بمجتمعها.
كما ان الولايات المتحدة الأميركية، وهي التي تعتبر من الدول التي تضم اكبر عدد من الأقليات في العالم، اجرت في كانون الأول من العام 1791 اول عشر تعديلات على الدستور والتي عرفت بـ "Bill of Rights" بهدف حماية الأقليات من استبداد الأكثرية.
لقد اخذت التركيبة اللبنانية واحداً من مفاعيل هذا القانون بما يؤمن حماية الأقليات الطائفية، ولكن هل حماية حقوق الطوائف بصفتها اقليات في بلد مكوّن كله من الأقليات يعني بالضرورة ان تكون حقوق المواطن معقودة لإرادة المتنفذ او النائب او الوزير او الزعيم؟ هذه هي مشكلتنا الحقيقية في لبنان وليست مشكلتنا مع النظام الطائفي بصفته نظامًا حاميًا لحقوق الأقليات. انا لا اتعرض هنا لكفاءة النظام الطائفي وهذه مسألة مختلفة تخرج عن موضوع هذه المقالة، ولكنني اتعرض حصرياً لتعطيل الكفاءة الوظيفية من خلال نظام النفعية والمحسوبية والزبائنية في الوظائف العامة. فالمتنفذ مهما كانت تسميته قد حل وسيطاً بين المواطن وحقوقه، يستحوذ على هذه الحقوق ويقوم بإعادة توزيع لها (Redistribution of Citizen’s Rights) وفقاً لنظام الزبائنية، فبالقدر الذي تكون هذه العائلة قريبة منه سياسياً وموالية له وتخدم تركيز قواعده الشعبية بالقدر الذي تكون محظية في الوظائف العامة. ان النتيجة المباشرة لنظام الزبائنية والوظيفية هو غياب عامل الكفاءة في تعيين الموظفين. الناس تتحدث، وكلنا نسمع بذلك، عن دفع مبالغ قد تفوق الـ 100 الف دولار اميركي من اجل تعيين شاب في وظيفة معينة.
خذوا نظامكم الطائفي وارفعوا ايديكم عن الوظيفة العامة فلا قيام لدولة دون ادارة فاعلة ولا ادارة فاعلة ما دمتم انتم عرابوها.
باحث ومحاضر جامعي في شؤون الموارد البشرية
وعضو الهيئة التاسيسية لاكاديميون من اجل لبنان