تنبض الحقول الجنوبية بالحيوية في هذه الايام وتمتلئ بالمزارعين، مع بدء موسم قطاف الزيتون، وإن كان الإنتاج شحيحًا هذا العام استناداً لنظام "المعاومة" الذي يعني، في حسابات المزارعين، أنّ الإنتاج يفيض عاماً ويتراجع في العام الذي يليه، من دون أن ننسى قلة المتساقطات في العام الماضي، علمًا أنّه تمّ تحديد سعر صفيحة الزيتون بـ150 دولاراً، في حين أنّها لم تتجاوز الـ100 دولار في العام الماضي.

"النشرة" جالت على تلك الحقول والتقت بعدد من المزارعين، الذين تحدّثوا عن الصعوبات التي يتكبّدون، ومن هؤلاء حسن عليق من يحمر الذي انتشر مع عائلته في كروم زيتونه في اطراف البلدة، والتي تقدر بـ50 دونما، حيث أشار إلى ان "الانتاج تراجع هذا العام عن العام الماضي، وهذا ما تعودنا عليه من أجدادنا الذين كانوا يرددون أمام اسماعنا ان موسم الزيتون وانتاجه يختلف من عام إلى آخر"، لافتاً الى ان كرومه انتجت العام الماضي 100 طن من زيت الزيتون، في حين أنّ الإنتاج هذه السنة يكاد يصل إلى 20 طناً في أفضل الأحوال. وأضاف: "ما يقلقنا اننا لا نستطيع الوصول الى حقولنا القريبة من نهر الليطاني في الشحامة التي لم تنظف من القنابل العنقودية من اجل جني المحصول الذي يبقى من عام لاخر على الشجر خصوصا وان المنطقة تشتهر بنضج الحبات".

من جهتها، كشفت حميدة فقيه من كفرتبنيت لـ"النشرة" أنّ إنتاج الزيتون هذه السنة يكاد يكفي للتموين المنزلي والعائلي، مشيرة إلى أنّ العائلة هي التي تعمل على قطاف الزيتون، حتى لا تدفع أجرة للعمال، في ضوء الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي الضاغط، ودعت الدولة لتوفر دعماً لمزارعي الزيتون، كغيرهم من المزارعين، مشيرة إلى أنّ البلديات امتنعت عن تقديم الدعم لهم حتى بالأدوية المطلوبة لمكافحة الأمراض التي تفتك بشجرة الزيتون، وهي حشرة "عين الطاووس".

ولا يختلف الحال في أرنون، حيث أكد محمد عجمي لـ"النشرة" أنّ الموسم شحيح، ولا يكفي حاجة كلّ بيت للتموين، مشيراً إلى أنّ من لم يستطع أنّ يؤمن تلك المونة من انتاجه عمد الى شرائها من بلدات اخرى بسعر 225 الف ليرة للتنكة، و6 آلاف ليرة لكيلو الزيتون المرصوص. ولفت إلى أنّ الزيتون المنتشر قرب المدرسة لم يستطع أصحابه قطافه نظراً لوجود قنابل عنقودية غير مرئية وباتت مع العوامل الطبيعية مطمورة في الارض، متسائلاً لماذا لا يتم التعويض على اصحابه من اجل التخفيف عمّا لحق بهم من خسائر.

وفي زوطر، قال محمود أبو زيد أنّ الامراض التي أصابت شجرة الزيتون وقلة الامطار ادتا الى تراجع لافت في الانتاج الذي كان دون المستوى المطلوب، "واذا ما قارنا انتاجنا الشحيح مع تعب العناية بالشجرة والحراثة ورش المبيدات نكون قد وقعنا في خسارة"، متسائلا "اين وزارة ​الزراعة​ من تقديم الدعم المطلوب للمزارعين او اقامة الندوات الزراعية التي تهدف الى تحسين وتطوير الانتاج ، ولماذا لا تمدنا بالادوية والمبيدات الحشرية لمكافحة الامراض التي تصيب الزيتون؟"

من جهتها، أشارت فاطمة زكريا إلى "أننا لن نستطيع أن نبيع من الزيت والزيتون هذه السنة، لأنّ ما سننتجه سنوزعه على العائلة"، ولفتت إلى أنّ "تطوير الانتاج يحتاج الى خبرة زراعية والعناية بالشجرة وارشاد زراعي وتوعية للنهوض بهذا القطاع الذي يدعم الاقتصاد ويدخل في اطار الجدوى الاقتصادية"، وتساءلت "لماذا في موسم قطاف الزيتون المحلي كل عام يغرقون الاسواق بالزيت والزيتون الخارجي؟ اهو دعم للزراعة والمزارعين ام استهداف لهم؟"

في غضون ذلك، قدّر نائب رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان ​حسن فقيه​، في حديث لـ"النشرة"، المساحة المزروعة بالزيتون بأنها عبارة عن 5 ملايين شجرة تتركز في حاصبيا ومرجعيون اولا ومن ثم النبطية وبنت جبيل وصور وقانا وفرون والغندورية، مشيراً إلى ان الزيت الجنوبي مطلوب في مناطق لبنانية اخرى لانه زيت ذكي وبعلي لا يروى، لافتا الى ان عدد المزارعين يصل الى 5 الاف. وإذ كشف ان نسبة حمل الزيتون وانتاجه هذا العام تراجع بنسبة 25- 30 بالمئة نتيجة مرضي الذبابة الموجودة على الزيتون ومرض عين الطاووس، اعتبر ان وزارة الزراعة لم تقم بما هو مطلوب منها في تقديم الارشادات والتوعية والادوية للمزارعين لتحسين الانتاج، لافتاً إلى أنّ "المؤتمر الزراعي الذي انعقد في حاصبيا تم خلاله رفع الصوت بهذا الموضوع لان المطلوب من الدولة عدم السماح للتجار باغراق اسواقنا الوطنية بالزيتون والزيت من الخارج عند موسم قطاف الزيتون اللبناني، لا بل العمل على تأمين اسواق لتصريف الانتاج المحلي".

ولاحظ فقيه ان قلة المتساقطات العام الماضي وهذه السنة وغياب التوجيه والارشاد ودعم المزارعين كلها عوامل ساهمت بتراجع الانتاج، مشيرا الى ان زراعة الزيتون تتركز جنوبا في منطقتي حاصبيا ومرجعيون التي يوجد فيها اكثر من مليوني شجرة معدل اعمارها 20 سنة، لافتاً إلى أنّ العائلات الجنوبية الصغيرة تعتبر شجرة الزيتون شجرة المونة العائلية، وشدّد على أنّ من حق مزارع الزيتون اللبناني ان تعتني به دولته اكثر لان شجرة الزيتون مع شجرة الليمون وشتلة التبغ هم الذين حفظوا اهالي الجنوب في الايام الصعبة خلال الاحتلال الاسرائيلي، وشكلوا الدعامة الاساسية لبقاء الناس في ارضها، وايضا الدعامة الاساسية للاقتصاد الوطني اللبناني.