أبطأ الرئيس سعد الحريري من حركته في الملف الرئاسي بعدما اتّسم إيقاعه بالسرعة مع بدء جولته على المسؤولين والزعماء الكبار تحضيراً لإعلان خيار تبنّي ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.خلال الأسبوع الماضي كانت قد وُضعت خريطة طريق لجلسة إنتخاب رئيس الجمهورية، وكانت هذه الخريطة تقضي بأن يعلن الحريري رسمياً ترشيحه عون، وفي هذا الوقت يكون عون قد زار الرئيس نبيه برّي بعد زيارة تمهيدية للوزير جبران باسيل، وهو ما سيسمح لقيادة «حزب الله» بالتدخل لدى بري وإقناعه بالمصلحة الاستراتيجية لهذا الفريق السياسي بتجاوز العقبات الموجودة وإيصال عون الى سدة الرئاسة الاولى على أن يقترن ذلك بتفاهماتٍ معيّنة.

وبالتالي كانت قيادة «حزب الله» وبرّي وحتى عون في انتظار التبنّي الرسمي والعلني للحريري الذي كان بدوره ينتظر الضوء الاخضر السعودي أو بتعبير اكثر دقة تحوّل الضوء السعودي من الاصفر الى الاخضر.

وكان عون مطمئناً نتيجة الثقة التي أبداها الحريري وهو ما دفعه الى الإدلاء بمواقفه الاستيعابية وتوجيه رسائل الغزل إلى الساحة السنّية كما إلى برّي ومعلناً ازاء ذلك احتمال انعقاد جلسة إنتخاب الرئيس حتى قبل الموعد المحدّد لها نهاية الشهر الجاري.

لكن مع عودة الحريري من جولته الخارجية خصوصاً من محطة السعودية، بدا أنّ الامور لم تكن على مستوى التفاؤل المطروح وأنها لا تزال في حاجة لبعض الوقت قبل صدور الموقف السعودي.

ففي السعودية، التقى الحريري مرة جديدة وليّ وليّ العهد الامير محمد بن سلمان وكان المحور الاساس للّقاء ملف «سعودي اوجيه» الذي بات مطلباً «فرنسياً» أيضاً. وجرى التطرق في نهاية اللقاء الى الشأن اللبناني حيث كان جواب المسؤول السعودي التمهّل بعض الوقت طالباً من الحريري العودة بعد فترة قصيرة ليكون الجواب اصبح جاهزاً.

وعلى هذا الاساس عاد الحريري الى بيروت عاملاً على الإبطاء من إيقاعه وتخفيف الاندفاعة التي اتسمت بها حركته. ولذلك وتداركاً لأيّ كلام قد يحمل تفسيرات وإثارة اعلامية هو بغنى عنها خصوصاً في ظل اللغط الدائر داخل كتلته النيابية، طلب خلال اجتماع الكتلة تجنّب اطلاق المواقف الاعلامية والظهور الاعلامي اقله حتى نهاية الشهر.

وفيما بقي الرئيس فؤاد السنيورة صامتاً طوال الوقت، أوحى الحريري في مداخلة ادلى بها بأنّ الطبخة لم تنضج بعد، معلناً أنه في صدد جولة خارجية اخرى تشمل فرنسا ومصر وتركيا، اضافة الى السعودية والواضح أنّ المحطة الاخيرة هي الاهم.

لكنّ الحريري لم يتحدث عن التأخير الحاصل بسبب الموقف السعودي بل رمى الطابة في اتجاه ايران معتبراً أن لا وجود لتسهيل كاف من «الخارج»، وفي اتجاه عون كونه لا يزال ينتظر توضيح بعض النقاط من باسيل حول الحكومات المقبلة. ورغم ذلك كرّر اللازمة التي باتت معروفة بأنه لم يتخذ بعد قراره وما حصل انه فتح كلّ الخيارات امامه.

لكنّ عدداً من النواب تحدث معلناً معارضته ترشيح عون قبل ان يتحدث النائب احمد فتفت بوضوح مطلق: «لن اقترع لعون حتى ولو اضطرني ذلك للبقاء في منزلي او للسفر خارجاً».

اما الوزير نهاد المشنوق الذي يُعتبر بمثابة عراب خيار عون وبات على تماس مع الشارع السنّي فتحدث عن ملف وزارة الاتصالات نائياً بنفسه بشكل كامل عن الملف الرئاسي ولو أنه لا يزال يحمله تحت إبطه.

وإزاء ذلك بقي الحريري على موقفه معلناً انه قال ما لديه وسينتظر، لذلك تراجع الزخم الاعلامي الإيجابي الذي ساد طوال الاسبوعين الماضيين.

وصحيح أنّ الحريري ينتظر لقاء الأمير محمد بن سلمان لكنّ الشكوك بدأت تساوره وهو ما يمكن استنتاجه من مداخلته امام اعضاء كتلته النيابية. والحريري عندما اندفع سابقاً في خياره استند الى كلام سمعه من وليّ وليّ العهد فحواه «نحن منشغلون في ملفات اكثر إلحاحاً وأنتم خذوا القرار الذي ترونه مناسباً. وسنحاول مساعدتكم، لكن عليكم أن تتحمّلوا كامل مسؤولية قراراتكم».

هذا الكلام كرّره لاحقاً الصديق الاقرب إلى الحريري وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وعلى هذ الكلام بنى الحريري حركته معتبراً أنّ الضوء الاصفر السعودي قابل لأنّ يتحوّل إلى اخضر خصوصاً أنّ وليّ وليّ العهد وعده بأخذ الموافقة من الملك.

الحريري الذي يدرك معارضة وليّ العهد الامير محمد بن نايف لخيار عون بدا متمسكاً بموقف الملك لكي يتحرك براحة أكبر، لكنّ اللافت انه خلال لقائه الأخير بوليّ وليّ العهد ظهرت بوادر حلول مجدداً لأزمته المالية في السعودية. البعض يعتبر أنّ الحريري ذهب في اتجاه خيار عون تحت ضغط الازمة التي تمرّ بها شركته، وبالتالي وحسب هؤلاء فإنّ ايجاد حلول لأزمته سيجعله اكثر صبراً في الملف اللبناني واكثر قدرة على الانتظار.

وبالتالي فالسؤال هو: هل إنّ فتح باب الحلول الآن لـ»سعودي اوجيه» له علاقة بالواقع اللبناني؟

في الاسابيع الماضية وفي عز اندفاعته في اتجاه عون، سمع الحريري لوماً من بري والنائب وليد جنبلاط وكان جوابه «ماذا لديكم من حلول بديلة؟ أعطوني واحداً منها وانا أمشي فوراً». وكان سؤال الحريري يواجه بالصمت.

لكنّ السعودية تقارب الملف من زاوية اخرى، من زاوية الصراع الاقليمي العنيف الذي تخطى كلّ الحدود فيلهب اليمن ويزلزل سوريا. وصحيح أنّ لبنان هو ساحة هادئة نسبياً حتى إشعار آخر، لكنه من ضمن هذا الصراع لا بدّ من حسب النقاط في اطار الوعاء الكبير لا في نطاق محدود وداخلي، هو الواقع مع الاسف.

يُقال إنّ عون وضع الخطوط العريضة لخطاب القسم والتي تطاول في أحد جوانبها «الطائف»، حيث سيبدي تمسّكه الكامل بالاتفاق، مشيراً في الوقت نفسه الى أنّ ما حصل حتى الآن هو تطبيق نصف هذا الاتفاق وهو سيعمل على تطبيق النصف المتبقي منه. لكنه الى جانب ذلك، وضع احتمال فشل المحاولة الرئاسية وبالتالي سلوك درب المواجهة المفتوحة والتي ستكون أولى ضحاياها «اتفاق الطائف» نفسه.